الثلاثاء، 19 يوليو 2011

صداقة بريئة…(3)

 
marriage-therapist13170
"مين خالد ده؟؟"
كذا سألت و كانت اول كلمات تبادرت الي ذهني و انا جالس أتأمل افطاري و لا آكله في الواقع..أي شيء سيدخل معدتي الآن سيكون له مذاق السم..بينما هي تعد القهوة و ظهرها لي و قد ارتدت كامل ثيابها استعداداً للنزول للعمل..لكن أي شيء يمكنه الانتظار الآن..أريد أجوبه و اريدها حالاً...
 
"خالد مين؟؟"
في برود دون ان تتوقف عما تفعل و دون ان تستدير لتواجهني...
"خالد اسماعيل..."
تجمدت لثوان..ثم واصلت ما كانت تفعله..مازلت ارغب في رؤية تعابير وجهها و مازلت تضن عليها بها كأشياء كثيرة منذ ان تزوجتها..
" زميل دراسة قديم..تعرفه منين؟؟و بتسأل ليه؟؟"
كيف عرفته: هذا ليس شأنك,لم اسأل: لي دوافعي..فقط اريد أجوبة مقنعة..
"عرفته و خلاص..المفروض أكون عارف كل حاجة عن الست اللي أنا عايش معاها..أظن ده من حقي..حتي لو مش منها هي.."
هنا نظرت الي..نظرة التنمر و التوحش التي أكرهها علي وجهها كثيراً..أشعر انها في هذه اللحظات قاصية عن عالم الانوثة كثيرا..تعبير عام من القسوة يسري في ملامحها كأنها انثي نمر تستعد للانقضاض..لكني لست فريسة أبداً..
" أنت بتتجسس عليَّ؟؟بأي حق؟؟"
هنا بدأ الاداء يتصاعد..أعصابي التي نجحت في التحكم فيها طيلة ليلة بأكملها تبدأ بالانفلات تدريجاً توطئة ان يتحرر المارد من قمقمه بالكامل ليلتهمها علي قضمة واحدة...
بحق انك مراتي..بحق انك عايشة تحت سقفي..بحق ان اللبس التي نازلة بيه ده انا اللي شاريه..القهوة اللي انت بتعمليها دلوقتى دى انا اللي جايبها..بحكم انك ليا بالكامل..حتى افكارك ملكى..ما اقبلش اني اشاركها مع رجل تاني..ممكن غيري يقبل انما انا لأ..فاهمة؟؟..لأ..
ازاي يا هانم تسمحي لنفسك تكلمي راجل غريب علي النت بالمنظر ده؟؟ و علي صفحة علنية كل اللى يعرفونى بيشوفوها؟؟ و كمان ليكى صور معاه؟؟ ايه رحلة الاقصر دي؟؟ متصورين مع بعض بالمنظر ده ازاي؟؟انتي مش عاملالي اي اعتبار و كأنك بقيتي أرملة..كأني مليش اي وجود في حياتك..صور و تعليقات و هزار و مرقعة و (...............) و كأن اللي انتي علي ذمته ده (..............)...مش أنا يا حبيبتي..مش أنا اللي مراته تعمل كده..
"
تعبيراتها المتوحشة استفحلت و صارت لا تُطاق..كل ذرة جمال عندها تلاشت..هذه لم تعد انثي..لم تعد امرأة اصلاً...
" و كمان اديت نفسك الحق انك تتسحب زي الحرامية و تفتح الكمبيوتر بتاعي و انا نايمة و تطلع علي اسراري؟؟و بعدها جاي تحاكمني؟؟في راجل محترم يعمل  اكده؟؟"
هنا تقريباً فقدت أعصابي بالكامل..قمت فأمسكت ذراعيها بين كفاي القويان..اعتصرتهما بين اصابعي حتي كاد اللحم يتمزق..تعابير الالم علي وجهها اعادت لها بعض الانسانية..ليتها تظل كذلك..
" أنا محترم غصب عن أهلك كلهم..اللي عملته صح او غلط ده شيء ميخصكيش..بيتي مفيهوش اسرار تستخبي علي..اعرف فى اي حاجة بالطريقة اللى تريحنى و اللي اشوفها صح..و دلوقتي أنا اللي اسأل و انتي اللي تردي.."
و تركت ذراعيها و دفعتها بغلظة حتي اصدمت بالقائم الرخامي الموضوع عليه القهوة التي كانت تعدها من لحظات..نظرة التوحش قد عادت الي عينها و قد صاحبها الالم..حتي دموعها لا استشعر فيها اي ضعف..مجرد ماء يسيل علي وجهها دون وجل..اشعر ان لديها الارادة لتقتلني و تمثل بجثتي..هي فقط بحاجة الي قوة..
" (خالد) مجرد صديق من ايام الكلية..لينا نفس الاهتمامات  المشتركة..لما بكلمه بحس ان فيه حد فاهمني..حد بيسمعني..بيهتم بالموضوعات اللي بحكيها..دايماً موجود لما بحتاجله..انما انت عمرك ما حاولت تسمعني..عمرك ما قدرت تسمع حد غير نفسك..
و الصور اللي سعتك  بتتكلم عليها دي..دي رحلة من ايام الجامعة..من أكتر من 7 سنين..كان معايا فيها اكتر من200 ولد و بنت..و لا حضرتك كنت فاكرني  قطة  مغمضة؟؟لا شافت و لا عرفت بشر قبليك؟؟هتحاسبني بقي علي كل راجل قعدت معاه و لا شفته و لا كلمته العشرين سنة اللي فاتت قبل ما أكون علي ذمتك؟؟ما تحاسبنى بالمرة على البقال و المكوجى و البواب؟؟ما تتهمنى بالمرة ان فيه ما بينى و بينهم حاجة..

لازم تفهم اني مش عشان بتكلم معاه او بناقشه في موضوع مش معني كده ان في حاجة بيني و بينه..مش لازم كل راجل اكلمه  يبقي عشيقي..انا ست محترمة و اعرف احافظ علي سمعة الراجل اللي متجوزاه حتي لو ما بحبوش.."
" "مجرد صديق"؟؟
الكلام ده ممكن تضحكي بيه علي النطع اللي كان مربيكي في بيته انما انتي دلوقتي علي ذمة راجل تاني..دلوقتى الوضع مختلف..اللى كان ماشى زمان ده انا مقبلش بيه فى بيتى..
حاجة من أيام الجامعة..بقالها 7 سنين..بقالها 70 سنة..مش مسؤليتي..حاجة من الماضى يبقي تموت معاه..حياتك قبل الجواز كوم و دلوقتى كوم تانى خالص..
صداقة بين راجل و ست متجوزة؟؟ تحكيله علي اسرار بيتها و جوزها؟؟ لو تعرفي الراجل اللي يقبل علي نفسه كده روحي اتجوزيه..اذا كان راجل اصلاً..انما انا مش تيس..(خالد) ده بقى,صاحب من أيام المدرسة..من أيام الحضانة..من ايام الجامعة..مش قصتى..طالما راجل يبقي تقطعى علاقتك بيه و خلاص بداية من اللحظة دى.. الكمبيوتر ده لو شفته شغال تاني هكسره علي دماغك..كلامى واضح بالنسبة لك ؟؟
"
صمتت و لم ترد..لكن نظراتها نطقت بالكثير..حملت كماً هائلاً من الكراهية لم اره في عيون الد اعدائي..هي لم تقتنع بحرف..فلتصدم رأسها الصغير بأسمك جدران عشنا الحبيب..لا يهم ان تقتنع المهم ان تنصاع و تفعل ما أريد...

تركتها كما هي تبكي قهراً في صمت و تركت لها البيت و قد تحول الي ارض معادية تنفرني ان اظل فيه دقيقة زائدة..انصرفت الي عملي و لم يعنني ان اعلم ان كانت  هي ستفعل المثل أم لا..فلتذهب الي الجحيم او فلتمت و تريحني هذا شأنها..طيلة الطريق اشعر بسطوة لا حد لها و قد زالت عني كل احاسيس الضيق التي لازمتني البارحة..شعور عارم بالسيطرة انتابني..شعور ان تقابل من يظن انه اهل ان يكون خصماً لك فتعيده الي وضعه الطبيعي..انت اقل من ان تناصبني العداء..انت لا شيء..ارادتي وحدها هي التي ستحقق شئت أم ابيت..

ولكن..هل حقاً ظلمتك يا (فاطمة)؟؟هل انت حقاً نقية السريرة طاهرة الذيل كما تدعين؟؟
جزء مني يود لو يخنقك..لو يقتلك..لا يراكِ الا زوجة خائنة جديرة بالجلد بالسياط..
و لكن جزء آخر يراني قد تحاملت عليك بعض الشيء..يرى الامر فعلاً لم يتعد كونه شيء قديم و خبا..ربما اختلفت البيئات و التفكير..ربما هناك امور لا نتلاقى فيها فى نقاط مشتركة..ربما ما اراه انا لا يُطاق تربيت انت على كونه أمراً عادياً لا عيب فيه..رواسب..فقط مجموعة من رواسب الفكر حملتها الى ارض الزواج المحايدة حيث اصدمت بمعتقداتى -التي قد ترينها بالية- فتحطمت؟؟

ايهما انتِ يا (فاطمة) لا أدري حقاً..أريد أن اصدق الثانى و ارتاح لكنى فعلاً مقتنع بالأول اقتناع شبه تام..الاصوات فى عقلى أعلى مما يسمح له بالتفكير الصافى..

توقفت سيارتى لكن افكارى لم تتوقف معها..دخلت الى مصنعى و بدأت فى مباشرة أعمالى بنشاط كعادتى..الوقت لدى يعنى مالاً..و المال أثمن من هذا الهراء كله..لكنى اليوم فعلاً لم أكن أعمل بأرادة حقيقية..اتحرك بالقصور الذاتى وحده دون ايه قوي محركة..حواسى ترى و تسمع و تتفاعل بينما عقلى يسبح فى اتجاه آخر..

بالفعل اكره نفسى حين أكون صغيراً..حين افقد التعقل الذي يميزينى و الذى اوصلنى الى مكانتى الحالية ,و اتحول الى طفل صغير مجرد من اي اتزان..و أنا صغير فى هذا الموضوع من بدايته..صغير حين بدأته..صغير حين ناقشته..صغير فى افكارى..صغير فى مبالغاتى..صغير فى كل شيء..صغير..و لكم أكره هذا الشعور !!

أعرف منبع هذا التسرع فى الفكر الذى ليس من شيمى و ان كنت حاولت طمسه بأى طريقة طيلة اليوم..اتجاهله بالعمل..بالكلام..بالانغماس في نشاطات لا حصر لها..اكره ان اراه يطفو على سطح افكارى و ان المحه مجرداً من اي غطاء..اكره ان اعترف لنفسي به لأنه لا يشعرنه سوي بالقلة و الضعف..

غيرة؟؟
مِن مَن؟؟من أحمق كهذا؟؟مستحيل..
امثاله يتمنون لو يضحون بحياتهم ليحققوا ربع ما حققته من نجاح و ثراء..يتمنون لو أعطوا أعمارا فوق أعمارهم كي ينالوا المكانه التى نلت..الغيرة شعور نسائي خالص..كذا كنت اعتقد دائماً..لا يشعر بالغيرة او يقارن ذاته بانسان آخر الا رجل ناقص..لم أفكر بهذه الطريقة في حياتي أبداً..حتي في أشد أيامي فقراً و ضيقاً لم أخبر هذه الاحاسيس..لكن لسبب ما اثار كلامها لي احساساً مقارباً لهذا لم استطع ان اكبحه..كلامها اللعين يدوي في رأسي كالصراخ حتي كاد يصيبني بالصمم أو الجنون..

هو من عالمها الخاص..يتحدثان بذات اللغة..هي قالت ذلك..هو طبيب متعلم  ذا ثقافة عالية و له ذات اهتمامتها المتحذلقة..أقرب اليها في العمر و الفكر..تتحدث فينصت اليها..تقول فيهمها..تسأل فيجيبها بما يرضيها..غريب ان اتمنى ان ارى الاهتمام من زوجتى مثل الذي توليه لرجل غريب..لكنها الحقيقة..لكم تمنيت لو ارى هذا الشغف فى عينيها مرة و هى تحادثنى..لو اشعر للحظة اننا متقاربان..لو ان روحينا على اتصال و ليس كل ما يربطنا علاقة جسد رخيصة..

هو و هي يكملان الصورة أكثر..ينتميان لبعضهما بشكل ما..بينما انا ابدو كدخيل..أنا لها كهل متحجر الأفكار لا يجمعها  معه اهتمام..في الواقع لا يجمعها  به سوي فراش و منزل..اثاث و احجار و سويعات تقضيها معه بجسدها بينما عقلها يسبح في تيار آخر..أحقا هذا ما آلت اليه الامور؟؟زوجتي تقضي الليل في أحضاني بينما في عقلها تتمني لو كنت آخر؟؟آخر اقرب اليها في كل شيء من هذا الذي باعها ابوها اليه؟؟

أهي تري فيه كل شيء ارادته في شريك حياتها لكن الاقدار لم تعطها الا انا؟؟أهذا ما عليه الامر فعلاً؟؟

لك ان تتصور حالى في الايام القليلة التى تلت..يسهل ان تُصاب بالجنون اذا افرطت الاصغاء لعقل اضنته الشكوك..و هذا ما اقتربت بشدة منه في تلك الأيام..الشك بذرة نشطة لا تحتاج الي تربة خصبة او رعاية لتنمو و تتحول الي دغل شائك من الظنون و الافكار السوداء..(عُطيل) قتل زوجته لمجرد أن (ياجو) لوح له بمنديل..لم يقتلها لأنها كانت خائنة..لقد قتلها لأنه اراد ان يصدق انها كذلك..المقاتل المغربى الأسمر العملاق الذى قهر جيوشاً جرارة ظل يعتقد فى قرارة نفسه انه أقل من أن ينتهي مع أمرأة بيضاء جميلة..هل هذا هو حالنا في هذا الموقف؟؟هل ملكت الدنيا في يدي و عجزت فى المقابل ان املك قلب زوجتى الجميلة؟؟هل هذا ما يؤرقنى حقاً و ليس الموقف بعينه؟؟

لماذا انت مندهش هكذا؟؟لماذا تفترض فى الجهل بما انى تاجر؟؟ فى الواقع انت مثلك مثل زوجتى و مثل سائر الناس جميعاً..ميالين الى القولبة و التنميط و النماذج الجاهزة..تلقيت تعليماً جاميعاً لفترة من حياتى قبل ان اتركها صاغراً لأرعى شئون عملى و أمى..و تعلمت من الحياة دروساً أضعاف ما تلقته هىَّ أو انت فى أي جامعة أو فصل دراسى..

نيران الشك فى أعماقى  التهمت أى شيء جميل كان باقياً بينى و بين (فاطمة) ان كان شيء كهذا موجود من الاساس..الثقة أصبحت معنى مفقود فى المنزل.. كسراب يرآه ظمآن و يحلم به و كلما اقترب منه ايقن انه مجرد وهم..كلما غابت عن ناظرى دقائق بدأت شياطين القلق فى العبث فى افكارى..اتخيلها و هى معه..فيستبد بى الجنون..

ضيقت عليها الخناق بشدة فى تلك الأيام..لم يعد مسموحاً لها الخروج من المنزل الا للعمل..غير مسموح لها بالأقتراب من حاسبها..غير مسموح ان تتحدث هاتفياً دون معرفه كنه الشخص علي الطرف الآخر..لا خروج من المنزل ليلاً لأى سبب..لو ارادت رؤية اهلها فليحلوا ضيوفاً لديناً أهلاً بهم..

هى اصبحت تكرهنى..أعرف هذا..ربما كان هذا كان مستتراً فيما مضى لكنه الآن واضح بلا مواربة..أصبحت لها كسجان يحصى عليها انفاسها و يعد تحركاتها و سكناتها..سجان يحول بينها و بين الحرية و يمنع عنها الهواء النقى..

لكن الحقيقة ان البيت هو الذى اصبح لى أنا كسجن..مكان ابعد ما يكون عن بعث الراحة..اللغة بينى و بينها هى الصمت الطويل..الصمت الذي لا يطاق..مشبع بجو من الكراهية المسمومة..البيت قد هجره الامان و الاستقرار الى الابد منذ  ان بُذرت بذرة الشك فى اعماقى..حتى عندما تنقضى هذه الازمة لا أتوقع أن يستمر الزواج بعدها مطولاً..لقد وصل زواجنا الى الكتلة الحرجة و هو موشك على الانفجار و الاطاحة بنا..ليس علينا سوى الانتظار..

لا أخفيك سراً انى لم انم نوماً هادئا متصلاً منذ فترة طويلة..الأفكار..وقاك الله شرها..تخمد واحدة..فتدب الحياة في واحدة اقوى و أعنف من سابقيها..كلها جعلت عقلى في حالة تيقظ تام,و صنعت من الأرق رفيقى الدائم الذى لا يفارقنى..سأفعل اى شيء لأرتح..أي أجراء سيهدينى ساعات من النوم المتصل سأفعله مهما كان..

من هذا المنطلق كان قرارى الذي قد لا تتفق معى فيه كثيراً و الذى قلما التجأت اليه فيما مضي, لكنى لم أجد سواه فى ظل الظروف الراهنة..
وكلت أحد العمال في مصنعي من من اثق بهم و بحسن قدرتهم علي التصرف بمراقبة هذا ال(خالد) و التحري عنه و متابعة كل تحركاته..كلا ليس هي..ما يزال لدي سمعة ابغ الحفاظ عليها..و كل العمال لدي يعرفون زوجتي و لا اريد ان يُعرف عني اني لا اثق فيها..

اريد ان اضعه تحت بصرى و سمعى لا يغيب عنهما أبداً..اريد أن اكون اقرب اليه من الهواء الذى يتنفسه..أن اسمع افكاره و احللها قبل ان يفكر فيها..دائماً ما احافظ على اعدائى دانين حتى آمن شرهم و احسب تحركاتهم القادمة..
لم ار طريقة أخرى خلاف هذه يمكن ان استعيد بها ثقتى فى زوجتى,مهما بدت لك غير أخلاقية..و الحياة علمتنى ان الضرورات تبيح المحظورات اياً كانت..

اسبوع آخر من التحريات لم يسفر عن شيء..مجرد مندوب في شركة دوائية كبري مُجد في عمله..وقته مقطع بينه و بين ساعات النوم..لا شيء سوي ذلك..كلها كانت اوهام اذا؟؟ربما لم اقتنع كلياً بعد..لكنى -لا شعورياً- بدأت أخفف الخناق حول (فاطمة) و بدأت الين نحوها تدريجاً..لكنى لم اعامله بالمثل..ما يزال تحت مراقبه لصيقة لن ينجيه منها الا القبر..

كل شيء كان يسير على ما يرام و قد بدأت الحياة تعود لمسارها الطبيعى (اقصد تلك الحياة السابقة الجافة من أى ود)..حتي كان اليوم الاسود الذي وردني فيه اتصال من العامل المكلف بالمراقبة يخبرني ان (خالد) باشا في طريقه الي مستشفي(............)...المستشفي التي تعمل بها زوجتي بالذات..و فى فترة تواجدها كذلك..هل هو مريض؟؟هل هو يحتضر؟؟هل يوشك على لقاء خالقه؟؟
كلا للأسف و ياليته كان..هو فى اتم صحة و أحسن حال..فلا يحضرنى سوى سبب واحد..واحد فقط..

كذا فكرت و انا اقود سيارتى نحو المستشفى باقصى سرعة..لقد هبت نسائم الهواء فأوقذت الجذوة المشتعلة فى رماد الحب القديم فعاد نيراناً متأججة كما كان..هذا كل ما فى الامر..لقد كانت تحادثه كل ليلة تحت أنفى على حاسبها الشخصى..فمنذ متى و هى تقابله على الطبيعة؟؟ لا ريب انه منذ فترة طويلة..طويلة جداً..لقد تلونت الشكوك بريشة الواقع الكئيب فأصبحت كياناً مشوهاً ذي ابعاد ثلاثة..صارت صعبة الدحض..باتت حقائق مسلم بها..و كل هذا يحدث الآن؟؟بعد ان علمت بالموضوع و صرت على دراية تامة به؟؟بعد ان امرتها امراً مباشر الا تحادثه ثانية؟؟ الى هذا الحد بلغ استهتارها بى و بكل ما أقول؟؟الى هذا الحد لا تهابنى..يال جرأتها!! لكن صبراً..

لماذا يا (فاطمة)؟؟لماذا بالله عليك؟؟لقد بذلت ما في وسعي لأشعرك بالسعادة..لم اتركك تشتهين شيئا الا و خلقت تواجده..لقد فعلت لك ما في وسعي حتي ترضي..فلماذا  تفعلين هذا بي؟؟لماذا تجبرينني ان الجأ الي تصرفات أجدها كريهه و لا أطيقها ؟؟ لم تر بعد الجانب القبيح منى رغم ما كابدته من الحياة معك طيلة العامين الماضيين..فلماذا تصرين أن تريه الآن بكل قبحه دون زينه؟؟

سألت عن زوجتى فى عملها فعلمت انها فى الكافتريا الملحق بالمستشفى..رائع الجو مهيأ تماما و انا الضيف الوقح غير المدعو الذى سيقطع خلوة العاشقين و يفسد الجو الرومانسى المحوط لهما..
كيف سأواجههما؟؟ماذا سافعل؟؟لا ادرى..سأترك الامر لعقلى..لقد أعاننى فيما مضى من العمر فلأترك له  حسن التصرف ساعتها...

دخلت الكافتريا المتواضعة و قلبت عيني في عجل بين مناضدها القليلة التي فرغ منتصفها..حتي وجدت المشهد الذي انذرني عقلي منه مراراً و توقعته في نفسي لكني لم أشأ تصديقه حتي اللحظة الأخيرة..

جالسان متقابلان و قد جمعتهما منضدة واحدة , يتبادلان حديثاً جاداً و لا تعبيرات بعينها علي وجهيهما..لم اعرف كيف اتصرف  فتجمدت  في موضعي و قد شل المظهر تفكيري رغم انه ما ارتسم في مخيلتي حرفياً ..مهما كان الخيال صادماً فالحقيقة اقسي الف مرة..شعرت بمرارة العلقم فى روحى و أنا ارى هذا المشهد متجسداً امامى كأنه قطعه من كابوس..لكن ليته كان..ليتنى اصحو فى فراشى الدافىء فاشعر بانفاسها الباردة المنتظمة تطمأننى ان النهار ما يزال قاصياً فأواصل النوم..هذا كابوس لن اصحو منه على ما يبدو..

4
 
احتفظت بهدوئي الخارجي فلم يبد علي تأثراً بشيء..و سرت بخطوات واثقة نحوهمها.. لمحتني (فاطمة) اولاً فأمتقع وجهها حتي حاكي بياضه الثلج..بينما أمام النظرات الذاهلة للمدعو (خالد) سحبت مقعداً و جلست جوارها و قلت له في هدوء:
" آسف لو بضايقكوا..أكيد المدام حكتلك عني قبل كده..أنا جوز الست..."

***************************
( يتبع )