الأحد، 1 يناير 2012

و تمر الايام…..

 

2012-happy-new-year-wallpapers-16

لا اجد فى مخيلتى تعبيراً افضل عن انقضاء عام مضى من حياتى و بداية آخر سوى هذا العنوان..

تمر فى صورة اوراق متطايرة على تقويم الحائط..الواحدة تلو الاخرى فى تسارع , حتى تكتشف ان الورق المقوى قد ظهر خياله القاتم من خلف الوريقات الخفيفة المتناقص عددها , و ان عليك بشراء تقويم آخر يزداد برقمه الاحادى الاخير واحداً..هكذا فقط..

تمر كحبيبات رملية دقيقة تترسب فى ايقاع ثابت بطىء فى قاع ساعة رملية عتيقة لا يفقد مظهرها التجديد حتى تشكل من العمر عاما آخر ينقضى كسواه...

فهل كان هذا العام كسواه؟؟
لا اظن..
هذا العام الذى بدأ بتفجير كنيسة و الصاق التهمة بالاسلاميين انتهى بنوبات حراسية يتناوبها السلفيون لحماية كل الكنائس الآمنة فى احتفال...
هذا العام الذى بدأ بالرئيس السابق (مبارك) ينعى احداث تفجير تلك الكنيسة بالاسكندرية و يستعد لافتتاح معرض الكتاب..فى قمة ملكه و جبروته و فى اللحظة التى كان يمهد فيها لولده ان يخلفه فى افضل ما ترك له من ارث , انتهى به ليكون خلف القضبان مستلقياً على فراش المرض..عاجزاً..ذليلاً..يعابث انفه و الكبر و الوهن باديين على ملامحه التى انقطعت عنها اليد الساحرة (لمحمد عشوب)..توقف امداد الفيتامينات و تحول الى مجرد شيخ..شيخ طاعن فى السن لكنه لا يستحق التعاطف على اى شىء...

هذا العام..الذى بدأه المشير (طنطاوى) وزيراً للدفاع..و رجلاً مخلصاً وسط شرذمة من الاوغاد..و توسطه حامياً للثورة و منقذاً اياها من الاخطار..و ختمه بلون قانٍ من الدم هو حقيقته الاصلية الراغبة فى الاستئثار بحكم بلد لا يود لها احد ان ترى النور...
هذا العام الذى بدأ بـ (العادلى) وزيراً مهيباً للداخلية يحكم البلاد بقبضة من الحديد و النار..انتهى به و هو محاصر داخل مبناها غير قادر على الخروج منه..انتهى به و هو يجلس خلف القضبان محاولا ان يبتسم لكى ينتزع من المنتصر لذه نصره..لكنه فعلا فى قراره نفسه يعلم انه هو من خسر كل شىء...

هذا العام الذى بدأ بـ (وائل غنيم) جالساً مسترخياً فى فيلته الانيقة بالولايات مع زوجته الامريكية على حوض سباحته الخاص خلف شاشة حاسبه النقال غال الثمن حديث الطراز , يتابع آخر تطورات صفحة "خالد سعيد" و يحرك خيوطها بمهارة من موقعه, لينتهى به محققاً مع من قبل زبانية امن الدولة فى قلب مصر و ليصبح بطلا من ابطال الثورة فيما بعد...
هذا العام الذى بدأ بـ (أحمد حرارة) طبيباً للاسنان يتبادل ما بين العمل فى عيادته بالعمل فى مستشفى حكومى (ان كان يعمل فى واحد) و انتهى به رجلا فاقد البصر مكتمل البصيرة لا ينقصه التكريم و الاحتفاء  من كل من يراه , تحمل عيونه التى راح ضوئها لكن لم يخفت بريقها اتهاماً صامتاً لكل الساكتين بالتقصير..

هذا العام..الذى بدأ بـ (توفيق عكاشة) يقبل يد (صفوت الشريف)..انتهى به و هو يقبل الحذاء الميرى للمشير..فلا اتوقع من جاهل مثله ان تتنوع عنده البدايات و النهايات حتى لا يعرف جمهوره الباحث عن الفكاهه و التسلية معنى التكرار...
هذا العام..الذى بدأ بـ (باسم يوسف) جراحاً شهيراً للقلب انتهى به ليقدم من الاغلاط  الاعلامية للجميع فاصلاً من خفه الدم النقدية السياسية المحايدة..و التى هى فى باطنها تحمل بكاءاً صامتاً على ما آلت اليه احوال كل انظمة الدولة و اولها الاعلام..و هذا فى رأى ما يجعلها مصدقة..فالكوميديا السوداء هى اسرع الطرق وصولاً الى القلب و العقل سواء..

هذا العام الذى بدأ بمفردات ثابته يعلمها الجميع مفادها ان الاخوان سيئون محظورون..و ان كل ما يريده الشعب متاح الا حقوقهم الاولية فى الديموقراطية..و انتهى باختلاف مفاهيم كثيرة..تاهت لدى الناس كل الثوابت حتى كاد الجنون ان يصيبهم..اختلطت المعانى بين البلطجى و الطبيب الشاب الذى ما زال يدرس..بين الضحية التى يتم تعريتها و سحلها و ضربها فى الطريق العام و بين المذنب الحقيقى..بين جواز الديموقراطية و تحريمها..بين الاسلام و الليبرالية..و بين اشياء اخرى كثيرة جداً.....

و هذا العام ايضاً هو ما بدأ  بـ (تامر بتاع غمره) و هو متصل برىء يفترض فيه الجميع الذكورة و انتهى به الحال الى كائن مشوه حار الجميع فى تصنيفه و تحديد جنسه...

هذا العام مستحيل ان يكون كسواه....
لابد و انه قتل داخلك كل ذرة ملل و انت تتابع احداث ميدان التحرير و الثوار تطلق عليهم الجمال ثم تغير القناة لتسمع (طلعت زكريا) و هو يصفهم بالشذوذ..لابد و ان هذا كان شائقاً..يمكن ان تصف هذا العام باشياء كثيرة..لكن ليس الملل..فلا يوجد فيه يوم هو الامثل لسابقه..دائماً كان التجديد من طباعه و دائماً ما كان يسير فى خطى ثابته نحو الاسوأ...

لكن بغض النظر عن مكنونات هذا العام..لم نشعر بالحنين المؤلم قرب انتهاء كل عام و نجبر انفسنا صاغرين الى التطلع الى احداث خلت كى نتأمل او نتعظ او نستعيد مذاق الذكريات؟؟ ربما لأن داخل كل منا جزء صغير يأبى ان يكبر..ما يزال متشبثاً بغصن معاند على ضفاف نهر الزمن , يأبى الانجراف فى تياره و السماح للنفسه بالتقدم فيه أكثر..جزء يبغى مغالطة الحقيقة الواضحة انه يكبر و يتقدم فى العمر اكثر و اكثر..و يحاول فى الوقت ذاته تقييم موقفه من النضج و تبين ان كان مواكباً او لا....
منذ يوم او اثنين..عدت الى قسم الجراحة بكليتى حيث امضيت شهرين كانا هم الافضل فى حياتى..وجدت نفسى اعود الى هناك دونما سبب معلوم غير ذلك الحنين غير المسبب الى شىء ما..الى الجدران و المقاعد و آثار الزمن على وجوه الناس..لسبب ما شعرت ان الزمن يعود الى الخلف فى دورة كامله ليمحو احداث عام كامل من ذاكرتى فأعود من جديد طالب امتياز مازال يتلمس طريقه فى اوائل شهوره..

شعرت انى فى غرفة الكشف سأشاهد (دعاء) و (نيرمين) يتناوبان الكشف فى همة و نحن ننتظر الحالات من عنديهما حتى يمر الدور الوئيد و (نخلع)..(مصباح) فى مكان ما يفعل شيئاً آثماً لا يرغب لأحد ان يراه..ربما هى حالة مستعصية او سن يريد ان يخلعه دون ان يزعجه احد او يشاركه التعلم..(عبد القادر)..سأشعر بأنفاسه الحارة و هو يقترب منى ليتلو على مسامعى بعض التعليمات الارشادية كأنه معيد..سأتحملها فى صبر حتى لا نتشاجر امام الطالب ثم ينتهى كل شىء فأخبره برأيى فى تعليماته بصراحة..(سارة) عائده من الحج لتوها و ترغب فى ان تتجاوز دورها فينتهى بها الحال بمشاجرة مع (مصباح) و (عبد القادر) و هى تبكى...(محمد مصطفى) او (مامادو) فى مكان ما جوار العيادات الخارجية فى الغالب يحادث (يحيى)..و يتبادل رشفات البن مع تنفيسات التبغ و رأسه ذو الشعر الغريب لا يحمل هموماً من اى نوع...

لكن حقاً اين هؤلاء؟؟هذا المكان على نحو ما مكانى..لكن كل شىء قد تغير..الوجوه و الناس و المرضى..كل شىء..ماذا حدث من البارحة الى اليوم؟؟ لو تركت لنفسى سجية التصرف لذهبت دون وعى الى غرفه الخلع لانتظر دورى او الى غرفة الكشف لأقيس الضغط..تباً..لو سقطت ميتاً فى خليه النحل الدائرة هذه فلن يلحظ احد لأنى ببساطة لم اعد مكوناً منها..لقد كبرت و على الاعتراف بهذه الحقيقة المريرة..لقد انقضى عام آخر و لن يعيده التمنى..غادرت المكان فى صمت و نعومة مسلماً بحقيقة الوقت فى صناعه تبادل الادوار....

هل حقاً ساعود الى المنزل الآن فلن أجد امى فيه؟؟ يالها من حقيقة قاسية اخرى..نعم..نعم..اذكر شيئاً عن ذلك..سحور رمضانى باسم..ثم فجأة دوامة من تقبل التعازى و ترتيب الحياة و بعض الذكريات الخافته التى تأتى و تعود...

لحسن حظى لم تطل حالة انفصالى المؤقت عن الزمن و عدت من جديد افكر بالعقلية التى تحيا وسط الناس هنا و الآن..و قد تذكرت عبارة جميلة سمعتها فى اعقاب وفاة امى
" لو كان للحياة ان تتوقف لرحيل مخلوق لتوقفت يوم توفى اشرف الخلق..لكن الدنيا لا تتوقف لأحد..و لو توقفت انت ستدهسك عجلاتها فى دورانها اللاهث الذى لا يعرف الرحمة بالضعفاء..."

نعم..هذه هى الحقيقة..الدنيا لا تتوقف ابداً و لا تعطيك فرصة و لو ضئيلة لالتقاط الانفاس او استجماع و معالجة ما مضى و التحضر لما هو قادم..لهذا لا نشعر بمرور الزمن..لانا دائماً فى سعى دؤوب و انشغال دائم..فعندما نتوقف لوهلات قصيرة - كتلك السابقة - لنتطلع الى انعاكسنا العابر على مجرى نهر الزمن الصافى فيفاجئنا بخصلة بيضاء او تجعيدة سابحه فى جلد الوجه فنتسائل كيف مرت بنا الايام الى هذا الحد؟؟

من يصدق..عام كامل !!
بدأته مطمئناً..و انهيته اكابد مرارة اليتم حاملاً مذاقها الى القبر...

عام...

منذ عام..كانت كلما راودتنى خاطرة سارعت بالكتابة عنها فى صورة (تغيير الحالة)  المتعارف عليها على الفيس بوك..لا اعلم لماذا..كنت اشعر ان هذا يريحنى فواظبت عليه دون اسئلة توقفنى عن الاستمتاع..ثم تطور الامر الى فكرة مدونة صغيرة اقترحها على اولاد الحلال..اذكر انها بدات بموضوع عن اللحية كتبته فى عجالة قاصداً الدعابة و انتهى بوبال على رأسى من اصدقائى السلفيين ممن اصبح لهم الكلمة الآن..مروراً بقصة (الفرح) التى اعدها واحدة من اصدق تجاربى الانسانية بعيده كل البعد عن الزخرفه الادبية الفارغه لكنها نابعه من الروح مباشرة..مدونة ظللت كثيراً اظن انى اكتب ما فيها لأقرأه وحدى لكنى فعلا لم اعبأ..

و صفحة مماثله على الفيس بوك ترددت فى فكرتها كثيراً و قد كنت اظن ان هذه الاشياء لا تقام الا لمن هم فى وزن (محفوظ) او (الاسوانى) على الاقل..لكن تحت الضغط و الايعاز المستمرين من صديقى (حاتم) تمت بالفعل..كان ايضاً يقينى الصادق ايامها ان تعدادها لن يزيد عن قدرة اصابعى على الحصر..

لكن هل تعلم؟؟ عدد متصفحى المدونة الآن يربو عن ال5000 و عدد اعضاء الصفحة يزيد عن 150 عضواً..هذا انجاز جميل لم اتخيله فى ابعد مدى لاسوار احلامى..
يكفينى اغراباً لا صلة لهم بى..يخبرونى انهم يحبون ما اكتب..او ان يكتب لى شخصاً لا اعرفه ليخبرنى انه قرأ لى ما ابكاه..او اوطد علاقتى بشخوص للمرة الاولى بعد انقطاع نجمه عدم المعرفة و السبب هو شىء كتبته...هذا فى رأيى كان اقيم من الكتابة ذاتها و ما تعيده على من راحة و تفريغ للشعور.....

منذ عام...
كنت صبياً مراهقاً..ربما مراهقة طالت و لم تمتد الى خارج اسوار الجسد فى صورة تصرفات صيبيانيه..لكنها كانت مراهقة روح و فكر ما زال يبحث عن سبيل للنضوج..نضوج فى صورة علم اكسبه اياه عام الامتياز او فى صورة عاطفة او فى صورة تكوين افكار عن المجتمع بحكم التعامل...

تعلمت معنى ان ينشأ الانسان صنماً و يصب عليه مشاعره و يبنى صرحاً فى الخيال و يطالبه بما هو فى ذهنه و بما هو ليس له وجود على ارض الواقع..

تعلمت معنى ان يُحَب (مبنى للمجهول) المرء من طرف واحد..و هو فى قراره ذاته لا يملك الا لصاحب الشعور سوى الاحترام الجم مع غير احاسيس مصاحبه..فلا يقدر على شىء سوى الصمت و مراعاه شعوره..

تعلمت معنى ان يغوص المرء حتى اذنيه فى قصة حب طاهرة عفيفة متبادله..لا يشوبها الخيال بل واقع جميل..ثم فجأة يأتى كل شىء الى نهاية غير متوقعه...

القلب الوليد..يجرح و يلتئم و يجرح الف مرة حتى تتكون فيه مئات الشقوق و الندوب التى ستدوم معه عمراً..يشعر بالقلق (القلب).. لم اصبح شيخاً بعد ان كان صغيراً منذ لحظات ؟؟ فتشعر بمن يربت على كتفك ان لا بأس..هذه هى الحياة..لا تخف.. لا يوجد شىء غريب...

تعلمت عن النفس البشرية الكثير..تعلمت انا كلنا من داخلنا واحد و ان تعددت مظاهرنا..واحد ضعيف له ذات المخاوف و مثيرات القلق..فقط بعضنا يحسن المدارة , بعضنا يجيد التمويه, بعضنا يجيد اصطناع الضحكات على خلفية من قلب باكٍ..الهالة المحوطة التى تثير ذعر كثيرين من بعيد و يظنون لصاحبها قدرات ليس فيه..لكن الحقيقة عكس ذلك..و القشرة كلما ازدادت صلابه كلما زاد الباطن لينا و خشى عليه صاحبه اكثر ان يتأذى..

تعلمت ان مشاعر الانثى خاصة جداً..جداً..جداً..لا يجوز العبث بها تحت اى ظرف..تفكر الف مرة قبل ان تعطيها لشخص ما..لأنها متى اعطت لا تستطيع ان تسترجع ما كان يوماً لها..ساعتها اى حركة خاطئة غير محسوبة قد تترك جرحاً غائراً يدوم عمراً..

تعلمت ان الكتابة الصادقة فى كثير من الاحيان قد تكون تذكرة مجانية تكشف خبايا عقل فى جولة سياحية تفضح الكثير..و تعلمت كذلك ان لا اهتم..فى الحقيقة مشاكل كل واحد لا تجعل لديه البال الرائق للتسلط على حياة الناس حتى و لو عرضت عليه طواعية..كل منا له رصيده الخاص من الاحزان و الافراح و هى تكفيه عن كل شىء..نحن فقط نعشق اصطناع الاهمية باحاطة انفسنا بظاهر من الغموض لكن الحقيقة الفعلية ان لا احد يهتم..

منذ عام..
استمعت الى صوت ام كلثوم للمرة الاولى بصدق..هل تصدق هذا؟؟ كانت قبل ذلك مجرد همهمات مستطيلة يترنم لها الناس على اعادتها فى مقاطع طويلة لسبب لا اعرفه..فجأة صارت مكوناً اساسياً من حياتى و عملى و كتاباتى و حبى و فراقى و كل شىء..احياناً تحيا حياتك فى سلام حتى ترى شيئاً و تجربه و تتسائل كثيراً كيف كان يمكن لحياتى ان تستمر دونه؟؟

الامر هو نفسه مع (باولو كويلو)..قراءة قصة (الخيميائى) التى بدأت بتجربة و انتهت بعشق و قراءة متداومة لتلك القصة بالتبادل مع باقى اعمال هذا الكاتب البرتغالى العظيم..هذه النظرة المشرقة و التسامى مع مفردات الكون و السلام النفسى الذى يشع من كل حروفه و نظرة الايمان العميق التى تستلهم فلسفتها من الكون..اعتقد انه قد اثر على شخصيتى و كتاباتى و لم اعد استطيع المواصله دون ان اقرأ له بضعه سطور كل يوم...

منذ عام…
لم اكن اعرف نفسى..و السبب بسيط..لأن شخصيتى مازالت تصقل و تتشكل..كصلصال مازال يبدو عجيناً مشوهاً فقط يحتاج الى اللمسات الساحرة لنحات حتى يحوله الى مرأى جميل..مازلت حتى هذه اللحظة اكتشف شيئاً جديداً عن نفسى كل يوم يدهشنى انا ذاتى..لم اصل بعد الى تلك الصورة النهائية التى احسبنى سأواصل بها الى يوم ان يشاء الله و لا احسبنى فى قرارة ذاتى اريد..لأن اكتشاف النفس امر ممتع حقاً..حيث المستقبل ملىء بوعود الشباب البراقة خير من واقع الكهول الكئيب..يمكن ان تصير اشياءاً عديدة متجمعه..او تفشل فتبدأ من جديد فى سماحة لا تؤتى من قبل الزمن الا للشباب...

منذ عام..
كنت انظر الى العام السابق بندم و انظر الى القادم بأمل..والآن..تعلمت ان انظر الى الماضى بحنين و الى المستقبل بشوق..ذات يوم سألنى عزيز عن كنه الاشياء التى ندمت عليها و رغبت فى تغييرها..فكانت الاجابة الصادمة ان لا شىء..انا انسان..تشكلية خاصة من العيوب و المزايا و الاغلاط و المحاسن لم يجعلها الله لسواى..كل خطأ صغير ارتكبته فى حياتى تراكم جوار فعل صائب نسيت عنه كل شىء ليصنع ذلك الانسان الذى هو انا الآن..

العام السابق ليس سيئاً..و العام القادم لا يشترط ان يكون افضل كما نهلل فى بداية كل عام..لكن الحقيقة ان العام برىء لا ذنب له..هو فقط مجرد  وعاء نحمله نحن بأقسى مما يستطيع ثم نشجبه و ندينه و فى النهاية نحن من صنعنا كل مآسيه.. فما ذنب الكأس المسالمة التى اذا وضع فيها ماءاً باتت طاهرة و ان احتوت خمراً باتت دنسة؟؟؟؟ نحن من نخلق مفردات يومنا و نحن من نجعله جيداً او معيباً..و ليس هو..

منذ عام…
كنت لا اعرفك و انت اليوم صديقى بحكم قرائتك لهذا الكلام..
من واجبى تجاهك ان اسألك عن امنياتك للعام القادم و لك حرية ان تتخير بين الاجابة او الصمت و التأمل...
اما انا فاجابتى حاضرة...هذا العام قابلت وجوهاً كثيرة جداً..ربما اكثر من قدرتى على الحصر..ربما اكثر ممن قابلت فى كل حياتى..بعضها التصق فى ذاكرتى للابد و بعضها انمحى فور ان توقفت عن رؤيته..بعضها احببت و بعضها زهدت لكنى ابداً لم اتعلم معنى حمل الاحقاد لو كان هذا ما تقلق منه..

مازلت اشير للحياة على كونها قطاراً كما اشرت سالفاً فى موضع سابق..ما يزال طاقمى الاساسى حتى الآن هو من بدات به الرحلة..ربما زاد واحداً او اثنين..كثيرون استقلوا القطار لمحطات وجيزة ثم انصرفوا..مسارات القطارات ذاتها تتعارض فى محطات معينة ثم يواصل كل منها فى طريقه..فمنها من يكمل معاً فى خطوط متوازية..و منها من يفارق بعضه الى الابد..هذه هى الحياة..

امنيتى للعام القادم خلاف الامنية الثابتة التى لا تتغير: بحسن العمل و حسن الختام..هى ان اقابل المزيد من الوجوه..ان ارتحل الى اماكن لم ارها و اشاهد اناس لم اعلم بوجودهم..ان اغترف من منبع التجارب الانسانية فلا اتوقف حتى ارتوى..ان اجمع الشخوص كالطوابع فاحتفظ منها بما يستحق و اترك منها من لا قيمة له..

لكل شخص هواية..و انا هوايتى هى رسم الناس فى سطور..اشعر ان لكل وجه قصة يرويها تستفزنى لأخطها..رسالة ما صامته لا يجيد استقائها احد غيرى..

لهذا كوننا اتفقنا على انّا اصدقاء..فمن كل قلبى اتمنى لك عاماً سعيداً تتحقق لك فيه كل مساعيك من تلك التى يراها الله الافضل لك..ربما لا يكون ذلك مأموناً فى ظل تراشق الفتاوى بحلال و حرام المعايدات خلاف تلك المصاحبة للاعياد الاسلامية..لكنها ليست معايدة قدر ما هى دعوة بالتوفيق فى حياة جديدة اول ايامها يبدأ الآن..

اتمنى فعلا لو كنت قد اغضبتك فى شىء ان تتجاوز عنه..و اعلم انى فعلاً قد نسيت كل شىء مما اسائنى العام الماضى و عازم على البدء من جديد بصفحة بيضاء اخط اول حروفها هنا و الآن....

كل عام و انتم جميعاً بخير....