الأربعاء، 13 يوليو 2011

صداقة بريئة...(1)

 
fighting(6)
 
منذ شهر اعتقد انه يكون قد مر عامان علي زواجي من (فاطمة)..فترة قصيرة جدا كحساب لحياة المفترض ان تدوم عقوداً..المقدر لها ان تدوم طيلة العمر..انت تعرف طبعاً الجوانب التي يكشفها الزواج في الشخص الذي امامك..
 
اشياء لا تُري في فترة الخطوبة حيث الافتعال و التصنع من الطرفين..اشياء تظهرها المعاشرة و المخالطة ليل نهار..حين تكون في منزلك يزول ذلك القناع الذي تواجه به الناس طيلة اليوم..القناع المدرب علي الابتسام و المداهنة و التملق و احتمال سخافات البشر و حماقتهم..من الصعب ان تظل مفتعلاً طيلة الاربع و عشرين ساعة..و أنا و (فاطمة) لم نتحمل بعضنا كثيراً بعد ان ذابت اقنعتنا لتظهر وجوه ارواحنا التي نخفيها عن الآخرين...
 

(فاطمة) طبيبة شابة حديثة التخرج..جميلة جداً..أو هكذا كنت أظن عندما رأيتها للمرة الاولي..الجمال مهما كان رائعاً تعتاده مع الوقت..كيف تنظر الي الاهرام الآن و قد رأيتها مئات المرات؟؟مجموعة من الأحجار المتراصة غبية المنظر..مشهد معتاد مألوف..بينما لو رآه غريب لطار عقله من روعته...
 

نعم..هي كانت فاتنة في البداية..واعتقدت ساعتها انها جائزة الترضية المناسبة التي استحقيتها عن سنين كفاحي المرير حتي اصبح ما عليه الآن..توفي والدي في سن صغيرة و لم يترك لي سوي أم أرملة و بقايا مصنع موشك علي الافلاس..لقد عانيت كثيراً..كافحت كثيراً..كديت..تعبت..مشوار طويييييييييل حسبته لن ينتهي..معجزة ما مكنتني ان اعيد هذا المصنع الي مجده الغابر..و ان اجعله يعود منتجاً كما كان..و الآن حان وقت الراحة..وقت ان امد قدمي التي ارهقها حذاء العمل و ارتاح..ارتاح حتي امل الراحة..هذا حقي عن كل ما سلف من الأيام الخاوية..
 

لا توجد افضل من الطريقة المعتادة التي يتكاثر خلالها البشر منذ ايام اجدادنا..مطلوب بنت حلال ذات مؤهل عالي جميلة المظهر من اسرة طيبة و تقدس الحياة الزوجية..نشرت الاعلان الشفهي وسط دائرة معارفي الكبيرة و لم يطل بي الامر و الا و انا جالس اطالع (فاطمة) في صالون دارهم..تصغرني بعشرة أعوام..لا يهم..لا شيء يعيب الرجل..لا شيء..منذ البداية لمحت فيها شيئا من التمنع..لكني كنت اعلم انها ستلين..اهلها سيلينون عريكتها حتي لا تضيع الفرصة من ايديهم و تظل ابنتهم العانس امامهم حتي يذوي جمالها..ستلين في النهاية عندما تدرك انها لن تحصل علي ما هو أفضل...
 

انا رجل تاجر يعرف كيف يربح الصفقات دائما لصفه..يعرف كيف يقرأ أفكار من امامه و كيف يضعه دائماً في المكان الذي يريده..المال..المال يشتري كل شيء..يدير اعتي الرؤوس..يضعف اقسي القلوب..كل الابواب المغلقة تنفتح..التمنع يتحول الي قبول و ترحيب..و لم يمض سته اشهر و الا و كانت تجلس جواري تسلم علي المدعوين في قاعة الفرح...
 

مع نهاية شهر العسل وبداية مصاعب الحياة المشتركة بدأت جوانب المشكلة تظهر..اقول حياة مشتركة؟؟كيف و لا شيء مشترك فيها؟؟فعلاً فشلنا في الاتفاق علي اي شيء..لا افهم طبيعة المرأة التي لا ترغب في ان يشاهد زوجها مباراة قمة مهمة كي تشاهد برنامج حواري علي قناة (الجزيرة)..او التي تبدي ضيقها المتكرر من طبيعة الاغاني التي يسمعها زوجها و تصفها بانحدار الذوق و تفضل عليها الموسيقي الكلاسية التي لا تستمع لسواها..حين  اشاهد أنا فيلما ارغب ان يكون مضحكاً بسيطاً يرفع عن ذهني أعباء الحياة التي لا تنتهي..لم أقدر ابداً ان احب تلك الافلام الاجنبية المعقدة التي تجبرني علي رؤيتها من وقت لآخر..
 

الي هنا و الامر معتاد..ابلغ سعة في الرزق توفر لي ان اشتري لها تلفازاً و مذياعاً خاصاً بها..لا مشكلة هنالك..يمكننا ان نقنن الامر او ننظمه بمواعيد..الزواج تضحيات..كل شيء يمكن احتماله و تجاوزه بقليل من الصبر و التعقل..لكنها تلك المشاحنات الصغيرة..الاشياء التافهه التي تحيل حياتك الي جحيم مستعر..اشياء بسيطة و صغيرة لو وجدت اطفال يتشاجرون حولها لأتهمتهم بالسخف..تتحول تلك الزعابيب الصغيرة بمعجزة ما الي عواصف رعدية و بروق..كل الاشياء التي نداريها و نحتملها في انفسنا  بدعوي عدم تعطيل المراكب السائرة كي تستمر الحياة,تظهر في هذه اللحظات الحرجة...
 

لا تنفك تخبرني كم انا سوقي و ان كثرة علاقاتي مع العمال و التجار قد حولاني الي انسان فظ لا يصلح لمعاملة الناس العادية..بينما من الناحية الأخري اصارحها دوماً انها انسانه متعالية تحسب كونها ذات مؤهل عال يجعلها افضل من باقي خلق الله...هذا هو محور خلافنا الدائم مهما اختلفت مشاكلنا..دائما هذه النقاط المستترة تعاود الظهور علي السطح..زاد الطين بله رغبتها في تأخير الانجاب حتي تحصل علي شهادة الماجستير..طاوعتها علي رأيها حتي حين..و أنا اعلم في نفسى ان هذا ليس السبب الرئيسى..

السبب الاساسي في رأيي انها لم تتعلم ان تحبني قط..لم تقدر ان تستمد اماناً مني للحظة و لا الومها علي ذلك,فلكم شعرت في قرارة نفسي بالمثل..كلانا لم يكن يستكين للآخر و لا يجد الراحة عنده..كيف بالله عليك نأتي بطفل يحتاج الي الحب و الرعاية في هذه البيئة المعادية؟؟ لا أخفيك سراً لو قلت اني استرحت لقرارها و لخمول غريزة الامومة عندها و ان عاندتها علانية..لقد كان قراراً مشتركاً و ان كان في ظاهره العكس..
 

لكن المحصلة في النهاية كانت:بيتاً خالياً من الاطفال لا يملأه سوي الصمت و الشجار..هذا هو الجحيم الذي انتظرت سنوات عمري كله حتي احصل عليه بعد صبر..هي اصبحت تقضي معظم اوقاتها مع حاسبها الآلي الذي احضرته من بيتها الاصلي..متعلقة به بشده و هي تشعر انه آخر شيء يمت لعالمها بصلة..مجددا لم أمانع وقد رغبت لها صادقاً ان تشعر بالالفة في المنزل بأي حال..لكني ابداً لم احب هذا الجهاز و ان كنت اجيد التعامل معه بحكم استخدامه بشكل اساسي في مصنعي..لم اقدر يوماً ان افهم ما الذي تفعله في تلك الساعات الطويلة التي تقضيها امام شاشته ليل نهار..في الواقع بدأت اشعر بالغيرة من هذه اللعبة الالكترونية التي ملكت عقل زوجتي كله بينما عجزت انا عن اشغل ربعه..لقد وجدت زوجتي في قطعة الخرده الخربة هذه الامان و التفاهم و السلوي الذي لم تجده عندي..فضلت ان تقضي اوقاتها مع حجر اصم علي ان تقضيها معي..فيالي من محظوظ !!
 

ذات يوم راودني فضول ان انظر الي محتوي جهازها و ما تطالعه عليه..كنت أعلم ان هذه اللحظة ستأتي يوماً ما لكني كنت أجبر نفسي علي تأخيرها في كل مرة مراعاة لخصوصياتها..لكن في هذه اللحظات شعرت ان طاقتي علي الاحتمال قد نفذت..اريد ان أعرف فيم تفكر زوجتي؟؟ما الذي يشغل بالها؟؟انتظرت نومها و انفردت بجهازها شاعراً بالاثم كأني اتلصص علي افكارها الخاصة..لكنها اولاً و أخيراً زوجتي..أمر غريب ان اضطر الي الحيلة لأعرف ما يدور في خلد امرأة تشاركني الفراش منذ أكثر من عامين لكنها الحقيقة..لا أعرف ايه شيء عنها..لم أشعر لدقيقة طيلة العامين الماضيين انها زوجتي التي أعرفها كنفسي..ظلت دائماً غريبة بعيدة..بيننا بحار و محيطات تفصل حياة كل منا عن الآخر و قد عجز كلانا - او لم يرغب- في عبورها الي الجانب الآخر حيث يوجد شريكه..لكن ها انا ذا آخذ تلك الخطوة التي تأخرت كثيراً حتي و ان كان بطريق يراه البعض غير اخلاقي.. اليوم أدنو درجة من عالمها السري الذي تغيب عني فيه كثيراً ..سرقه نعم..لكن لهدف نبيل أو هذا ما اقنعت نفسي به ساعتها..


الفضول يأكلني..ما الذي تعتقد زوجتي انه يستحق الاخفاء عني؟؟ما الذي تمضي يومها فيه و تخشي ان اطالعه و لا ترغب أن تشاطرني اياه؟؟


انني لأسائل نفسى....
                          ****************
                             ( يتبع )