الاثنين، 8 أكتوبر 2012

انا مستعد !

 

At the Starting blocks

اهداء الى شخص خاص جداً...

************

كان لابد للصمت ان ينتهى فى مرحله ما…اليس كذلك ؟؟

************

يمكن بسهوله تشبيه الحياه بسباق عدو له قواعده الخاصه..كل مُتسابق فيه مُطالب بأن يعدو فى جاده مستقله , مُجتازاً عدداً غير محدد من العوائق المتفاوته فى عسرها , و ذلك خلال وقت معلوم ينتهى برغبه الحكام , و يبدأ بارادته هو حين يصرِّح : " انا مُستَعِدْ ! "

كلمه سباق فى ذاتها يمكن ان تُعد تسميه خاطئه , فلا احد يطالبك بأن تسبق الآخرين..كل له شأنه الخاص , الذى لو تخير ان ينصرف عنه لمراقبه الآخر و موقفه من خط النهايه , فقد يعنى تعثره من المضمار...ربما كان السبب فى التسميه انها رياضه قائمه على العدو المستمر دون فرصه لالتقاط الانفاس..فهى اشبه بصراع من اجل البقاء..

الآن لديك تصور شمولى عن قواعد تلك اللعبه الغريبه , و يسهل عليك شحذ حواسك للتخيل..فلتجارنى قليلاً !

تصور نفسك على خط البدايه..الكل يرقب كل اختلاجه بسيطه تعبر وجهك , و ينتظر اللحظه الحاسمه التى تتلفظ فيها بجاهزيتك..تمر فى رأسك افكار مسرعه كأنها سيارات موشكه على التصادم , يختلط انين مكابحها بالدوى الصادق الحار لهتاف الجماهير المُشجعه..

الافكار لصيقه لنفسك , فلا تعلم اهى تخصك ام تخص اقرب الناس اليك , لكنها تكتسب قدره عجيبه على التمدد فى كل لحظه تسمح لها بالبقاء..

هل انا حقاً مُستعد ؟؟ هل تلك هى لحظتى ؟؟ احقاً لا احتاج المزيد من المران ؟؟  لعلى تعجلت مجداً اضيعه الآن بحماقه مُتسرعه…ربما كان من الاحكم التأنى و الاختيار..

و النتيجه المحتومه انتَ تعرفها..سيمرق العدائون الآخرون من جوارك كالسهام النافذه , بينما قد تظل انت على وقفتك عالقاً الى يوم الابديه..تفكر !

هذا يمكن تطبيقه على الحياه بيسر..فالحياه كما نعرفها انا و انت , سلسله من المصاعب المتواليه , التى يُفتَرَضُ فيك عبورها فى وقت محدد هو العمر الذى لن تُمنَح غيره...

و قد يُقصَد بالنهايه الموت..لكن ذلك بالتبعيه لا يعنى ان البدايه هى الميلاد الاجبارى..بل هى تلك اللحظه التى يتخير فيها الفرد النهوض لتجاوز عوائق حياته , و الشروع فى رسم طريق محدد لها..و هى لحظه قد تجىء باكراً , او قد تتعطل بالهروب , او قد لا تأتى ابداً فى بعض الحيوات الضائعه , معدومه الهدف..لذلك كان المَقصَد فى اختياريه البدايه...

عاده ما يكون التقدُم فى ذلك الطريق بخطوات مُعتَمِدَه على الخبرات..التى اما ان تكون منقوله شفاهه من اجيال اكبر الى اُخَرَ اصغر , او ان تكون حياتيه نابعه من مواقف يتعرض لها الشخص نفسه , و تساهم فى تدقيق اختياراته المستقبليه..

النوع الاول يمكن تخفيفه الى ابسط صوره , مُتمثلاً فى انتقال الخبرات  بالتربيه من الاب او الام الى وليدهما... و هذا الانتقال يحدث عاده بطريق من اثنين..اما بالنصح و هو الصوره المهذبه او بالاجبار...

دعنا نتفق ان الانسان لم يأت الى هذه الدنيا ليحيا فيها وحيداً , بل لينشىء مجتمعاً قائماً على الاختلاط بين الناس , و النصح هو واحد من ركائز هذا التمازج..فالانسان عندما لا يسعفه رصيده من الخبرات الشخصيه , اول ما يلجأ اليه هو طلب المشوره من اهل الثقه ممن يتوسم فيهم رجاحه العقل , و سلامه الرأى , و حسن النيه..

و المميز الاساسى فى النصيحه انها قول لين مرن..يُسمَح للانسان فيه بتناول الاراء من اكثر من جهه , و ينتهى باذابه كل تلك الرؤى فى بوتقه عقله , و الخروج منها بتجربه خاصه فريده لا تنفع غيره..

اما الصوره الاخرى الجبريه , فهى فرض الوصايه..اى ارغام المُتَلَقى على اتباع الارشادات بِعلِه ان الناصح / الآمر , يعرف اكثر عن الحياه بحكم خبراته , و ان المنصوح/المُرغَم اقل خبره من ان يتخذ قراراته الخاصه بنفسه..

و هو امر يتضحُ مثلاً فى الاب الذى يُرغِم ابنه على الدراسه فى كليه معينه لأنه الادرى بمستقبله , او الام التى تفرض على ابنتها زيجه لا ترغبها بحجه انها الاعلم بصالحها..

قد يصح هذا الامر فى مناحى الحياه البديهيه المأخوذه تسليماً.. فلا حاجه بك الى لمس النيران لتعرف انها تحرق.. اما فى الامور النسبيه – و ما اكثرها - كالزواج , و العمل , و الصداقه , و الحب.. فقد يكون هذا النوع من النقل موطناً للاخذ و الرد..

فكل انسان يحكم من واقع حياته و خبراته هو , التى قد تكون صائبه او مغلوطه..فالله حين وزَّع العقول على اصحابها , اعطى كل واحد الفكر الذى يلائمه , و يحرِّكَه فى حياته  فيما اتفق..

فإن كنا كلنا يشملنا اطار واسع موحد هو الانسانيه , فانا قد سمح لنا فيه بالتفاوت بنسب محدده , و خصائص فارقه , تحفظ لنا استقلالنا التام كاشخاص...

فقد يسمُح للآخرين بالتفكير نيابه عن طفل لم يصل بعد الى اكتمال العقل , لكن هل يصح شىء عينه مع شخص تام النضج , سليم الفكر , مأهل لأتخاذ القرار ؟؟

ان كان لا يصح فهو الحادث كل يوم...دعنى اضرب مثالاً بشاب فى مقتبل حياته , يقف و بنفسه ما يوازى تردد العداء على اول الطريق..و كلما همَّ بخطوه , صرَّح له كل من حوله انه " لا يزال صغيراً..".. " تنقصه الخبره..".." يحتاج وقتاً اطول.." او انه بصراحه " غير مُستعد.."..

غير مُستعِد ليبدأ حياته المستقله..غير مستعد ليفتتح مشروعه الخاص..غير مستعد ليتزوج..غير مستعد ليتحمل عبء الحياه و المسؤليه..غير مستعد ليحيا دون وصايه صارمه...

و هو امر ما اشد قسوته – رغم انه يتم بنيه طيبه , و شعور عارم بالمسؤليه – لكن النوايا لا تغنى عن الافعال..فما احوج المرء فى بداياته المضطربه الى كلمات تشجيع , عوضاً عن اى قول مثبط للهمم..

لا ادرى حقاً ما ( الاستعداد ) من وجهه نظر الناس ؟؟ و هل يحتاج المرء الى تمهيد للبدايه ؟؟ ام ان الامر لا يتعدى كونه الغوص فى اعماق الدوامه اللانهائيه (لكى تعمل تحتاج الى خبره , و لكى تحصل على الخبره لابد ان تعمل ) ؟؟

و ان كنت لا اعلم ما هو , فأنى ايضاً لا ادرى ما هى معايير الناس فى الحكم عليه , و على الشخص مُمتلك صفته..فالاستعداد كما اعلمه , خاصيه ذاتيه لا يعرفها الا صاحبها , فهو وحده يملك ازمه آليات نفسه , و يعلم متى تصل الى قمه فاعليتها..

هل حقاً يجبرنا القائمون على حياتنا , على اختيارات بعينها خشيه علينا من الفشل ؟؟ هل حقاً الفشل يعنى الموت ؟؟

لا ارى الامر فى هذا الضوء ابداً..فالفشل مكون اساسى من التجربه قدر النجاح , فهو ليس نهايه محتومه للطريق , بل هو بدايه لخبره يعتمد عليها نجاح قادم , و خطوه اكيده على طريق النضوج..

اذكر قولاً لبطل لعبه التنس العالمى (رافييل نادال ) يقرُ فيه ان اكثر ما يخشى ليس الفشل , بل الخوف من الفشل..اى تأخير الحياه خوفاً من السقوط فى واحد من عثراتها..فهذا يعنى عدم الحياه على الاطلاق..

هناك مواقف بعينها لا يُحضِرُكَ لها اى تجهيزات..مهما حدثك عنها آخرون , فخبرتها على ارض الواقع تختلف..و الصدمه فيها لا تتفاوت بين من كان عمره عشرين عاما او اربعين..

يمكن ان استعير موقفاً من حياتى الشخصيه , فأذكر اول يوم وقفت فيه فى عياده اسنان , كطبيب منفرد بدون معيين غير الله..طوال حياتى المهنيه السابقه لتلك اللحظه , اعتدت دائماً وجود رقيب يصحِّح اخطائى , و يحملها عنى حين تتأزم الامور , و يضيف الى علما جديداً بالتصويب..

اذكر انى اخرّتُ تلك اللحظه قدر استطاعتى , و جمعت قبلها قدراً وافراً من العلم و الخبرات الطبيه ؛ كى لا اقع فى اى خطأ كان..

ثم بعد اقدامى على الخطوه , فوجئت ان الحقيقه العمليه شىء آخر..فانتابتنى ذات رهبه المبتدىء , و وقعت فى نفس الاخطاء الساذجه التى خشيت , و مررت بذات منحنى التعلم الذى يجتازه الجاهل..

ساعتها تيقنت ان افضل تحضير للموقف يكون بالنزول الى ميدانه...

المثل يقول : الضربه التى لا تقصم ظهرى تقوّينى..

و على لسان (توماس اديسون ) المخترع العظيم ورد :

" انا لم افشل الف مره , بل اكتشفت الف طريقه لا تعمل.."

و ذلك تعقيباً على طريقه الطويل فى ابتكار المصباح الكهربائى..

كاتب بحجم (نجيب محفوظ) لم تكن بداياته الاولى على منوال نجاحاته المتأخره..يمكن ان تقرأ عملاً من مجموعته الاولى " همس الجنون " و تقارنه باعمال لاحقه كرائعته " الحرافيش " مثلاً..لترى كمِ الفارق فى الافكار , و الاسلوب , و الحبكه..كل ذلك تطور اسهم فيه خبرات السنين , الناجمه عن التجربه والخطأ و الصواب...

و استطيع الاستعاره من حياتى مره اخرى..فأول ضرس احشوه فى حياتى ليس كالتالى , و ليس كالحالى الذى آمل ان يكون القادم افضل منه بإذن الله..

و اذكر محاولاتى المُتَعَثِره حين بدأت الكتابه..فمن كلمات طفوليه بلا معنى الى اسطر غير مترابطه , تجمعت الى فقرات متنوعه , تحولت بعدها الى فصول ذات وحده , اسهمت بدورها فى تشكيل قصص تتحسن مع الوقت..

و انا حين انظر الى طريقى الممتد من امامى الى ان يشاء الله..ارى بدايه مشوشه لا تبشر بشىء..لكن لى عقل واسع الخيال , يكمل من قريحته وسطاً و نهايه , و يتصورهما على هيئه معنيه..قد تكون خياليه مقتربه من السماء..لكنها فى كل لحظه تطبيقيه تصبح اكثر واقعيه دانيه من الارض..

عقل يرى اهدافه , و طموحه , و احلامه على هيئه نجوم بارقه , تزين صفحه السماء المُظَلِلَه لطريقه , صانعه واحد من اشكالها السحريه التى تهدى الهائمين فى الصحراء...

من حولى يتهموننى عاده بالجنون و الخيال..حين اشير الى السماء و اقول ذاك حلمى..فالحلم كائن خاص..يحتاج الى الرعايه بعيداً عن العيون حتى يصير المعقول..

الحلم لا يحتاج الى مشوره او ارشاد..الحلم يحتاج الى ثقه بالله , و يقين دائم بوجوده , و عدله , و رزقه الكريم..

الحلم يحتاج الى رفقه..الى عين خاصه ترى تلك النجوم , و تبدد وحشه الطريق المظلم..الى روح تعرف المشاركه , و تقبل اقتسام الحلم الى نصفين..

تحقيق الحلم يحتاج الى حب..

الحب كلمه مطاطه مُستهلكه..يمكن ان تمتد لتشمل معانٍ , تختلف بتنوع الموصوف و المنسوب..لكنى اقصد ابسط الصور حين يولد الشعور بين رجل و امرأه..

حينئذ لا اراه فى صوره آهات , و فراق , و لوعه , و تنهيدات , و كلام مُحتَرِق..و لا اشعر به عاطفه مُجرَده دون وازع..ذلك قد يكون اعجاباً او قبولاً للآخر من باب التَخيُل , و المعاشره قد تكشف فيه مع الوقت ما يجافى هذا التصور..

فالعاطفه لا يمكن الركون الى حكمها لأنها نابعه من القلب , و القلب من مادته مُتَقَلِب..اى انه لا يرسو على رأى..فاليوم يريد..غداً لا يريد..و كل ما كان مشتعلاً يخمد و يهمد , متحولاً الى النقيض...

الحب هو ما اشار الله اليه : بالموده و السكن..الحب استقرار شامل كالذى يعقب تلاقى الكترون بذره ناقصه..الحب ايحاء من قلب , يحكمه عقل واعٍ يحسن الاختيار..الحب اكتمال..الحب قلب يحنو , و عقل يفهم , و اذن تسمع , و شفاه تهمس بكلام مُشَجِع جميل..الحب هو ماكان فى الله و لله..

الحلم هو الحب , و الحب هو الحلم...

و انا احب الحلم..و اتمنى ان اكتمل بالنصف الذى يشاركنى اياه..فمصاعب الحياه مهما اشتدت , فلها وقت و تنتهى..حتى ازمه الحياه تنتهى بالموت..المهم مع من , و لأجل ماذا..و كلاهما واحد فى رأيىّ..

انا وصلت الى قناعه داخليه , انى لست بحاجه الى مزيد من التحضير , و التردد , و التفكير..انى رغم اعتزازى بكل الاصوات المحوِّطه لى , قد قررت ان انحى منها كل ما يعوقنى و اتقدم..ازمعت ان احول ايمانى و يقينى بالله الى افعال واضحه لا مجرد كلام..

انا مُستَعد..

مستعد ان احقق كل ما طمحت اليه فى حياتى..مُستعد ان امضى فى طريقى الى نهايته..مستعد ان انهض مهما تعثرت..مستعد الا اخاف الفشل..مستعد ان احيا قبل ان اموت..

انا مُستعد….فماذا عنك انت ؟؟