الثلاثاء، 24 يناير 2012

لماذا ساعود الى الميدان ؟؟

 

bg

كان واحداً من هؤلاء الملقبين بشباب التحرير..شاب مثله خلق ليثور..الطباع الحامية و الانفعال..التصرف ثم التفكير فى عواقبه..قنبلة موقوته مستعدة للانفجار..يقتله الوضع الخامل ضعف ما يفعل الخطر...و مع ذلك له عقل واع يدرس كل تفصيلة من حوله و يزن الامور بميزان دقيق..و هو طبيب مثلى بالمناسبة...

كان هناك..منذ الايام الاولى للثورة..قالوا له ان هناك ثورة فى (تونس)..فكر..و ما الفارق؟؟ قال مثل الجميع ان (مصر) ليست (تونس)...المصريون لا يثورون..الثورات عندنا تاريخ مغلوط لا وقائع..سمع عن وقفة احتجاجية سمتها السلم..فكر مرة أخرى...ماذا لدى لأخسره ؟؟ انما يخشى من كان لديه ما يخاف فقده.....ظل طوال حياته الشابه يشعر بالامتهان..بأنه مواطن درجة ثانية فى ارضه..يشعر انه يباع و تباع معه كرامته لمن يدفع اكثر..غير متزوج..لا يعمل..مؤهل عال....رغماً عنه وجد اقدامه تقوده الى هناك..وجد كل غضبه يحتشد فى صياح متجمع مع حناجر لا يعرفها ان "عيش..حرية..عدالة..اجتماعية.."..ثم كان الجحيم...

كان هناك فى جمعه الغضب...كان يقف فى الصفوف الاولى و قوات الامن المستترة بلباس مدني قد تسريبها تدريجياً الى الميدان..يذكر الخوذة المرتجلة التى اصطنعها من غطاء حديدى حوط به رأسه حتى لا يصطدم به حجر ضال...يمد يده الى مرافقه يطلب احجاراً يلقيها..يشعر انه واحداً من اطفال الانتفاضة..ربما هو كبير لكنه عاد طفلاً فى براءة تامة و اتصال كامل معه شعوره..نحن الخير و هم الشر..الامور واضحة..يلقى الاحجار بكل قوته و يلقى معها سنين من الصمت المشروخ..يتكلم اخيراً و الحروف تتشكل على لسانه ان

" ارحل  !! "

يذكر الجمال و كم كانت فاصلاً من الترفيه اكثر منها مهابة و اثارة للرعب...يذكر كشرى التحرير الذى كان طعامه الاوحد و قد تحول ثمن الطبق الصغير الى 10 جنيهات بمعجزة ما ليكفى كل هذه الاعداد..يذكر دورات المياه فى عمر مكرم..و الاضجاع ليلاً فى ليالى البرد..اصدقائه الذين عرفهم هناك..كم كانوا رائعين... كان قد اعتاد قبيل هذه الايام ان يجابه العالم بأفق ضيق..حتى ذهب الى الميدان و خالط اطرافه و علم ان الناس على تعدد مذاهبها و اطياف فكرها واحد يكره الظلم....التعصبات و نقائض الفكر لم تكن سوى دسائس زرعها النظام بمهارة فى النفوس..جعلت كل انسان يقيم حول نفسه جداراً لا يبصر من خارجه و يتحين من خلاله الخطر...

يذكر صديقاً منهم على الخصوص...كانا مختلفين بشده فى الفكر... كان صديقه ليبرالى شديد الاعتداد برأيه..بينما كان  هو اسلامى اميل للوسطية...متى بدأت السياسة بينهما نشب الخلاف..و متى انتهت توطدت الصداقة...و مع ذلك تشاركا  خيمه و سهرة و هتاف و ركض فى ازقة وسط البلد.....كان دائماً معه...ثم يذكر الحقيقة المؤلمة انه اضطر لحمل جثته يوماً ما..ياله من موقف قاس يختبره للمرة الاولى فى حياته..ان يموت امامه من شاركه الطعام و الذكريات و واواصر الصداقة..الموت نراه و نسمع عنه كل يوم لكن عندما يقترب منا بهذه الصورة يغير فينا شيئاً ما برغمنا....مازال يذكره..مازال يحتفظ بالقلادة التى كان يرتديها  و يحوط بها عنقه..رغم انه يوماً لم يحب من ارتدى الحلى من الرجال...


كان هناك و لم يرحل مع من رحل مع خطاب مبارك المؤثر...من يشاهد الموت يفتقد ملكه التفاوض..يجب ان تنفذ مطالبه حالاً دون جدال الا فهو باق الا ان تزهق روحه..لا حلول وسطية ساذجة و لا حيل...كان هناك يستيقظ كل يوم سائلاً:هو اتنحى و لا لسه , لكنه لم يصب يوماً بالياس...كان مقطوعاً عن العالم لا يعرف شيئاً عن اسرته الصغيرة و الاتصالات غائبة...علم بعدها ان اخيه الاصغر قد اصيب على ايدى بلطجية و هو واقف ليحمى منطقته فى لجنة شعبية...
كان هناك يهتف..يثور..يحيا لأول مرة فى حياته الراكده..يتوحد مع الجموع فى تناغم و يشعر ان له و لهم قلب واحد...يخرج شيطانه من داخله و يصرخ..يصرخ عل الحلم يتحقق...

" الشعب يريد اسقاط النظام.."

كان هناك و رأى كل شىء..رأى القنابل المحرمة..و الرصاص القاتل و كل ما هو محظور مستنكر استخدامه يعمل بفاعلية..رأى لأول مرة شخص يفارق الحياة..رأى بعينه  الروح و هى تفارق صاحبها فيتعطل بعدها جسده عن العمل...رأى نفسه على شاشات التليفزيون يتهم بالخيانة و العمالة و هو يخاطر بحياته كل لحظة...رأى الجميع يشككون فى مصداقيته  و تمويله من جهات اجنبية و( كأن هناك جهه اجنبية سليمة العقل لا تريد مبارك فى المنطقة..)..

كان هناك يوم ان تنحى الرئيس...عانق غرباء لا يعرفهم..شعر بفرحة لم يشعرها من قبل..شعر لأول المرة بالفخر انه مصرى..انه انسان..سيد قراره..لن يخبره احد ان يكون او لا يكون..صوته مهم و قادر على زحزحة الجبال الرواسى..هو ليس باعوضه و لا هاموشة..هو انسان له ثمن و كرامه..و وفوق كل شىء….مصرى........

كان هناك و اطمأن ان الجيش تسلم كل شىء..لم يقف ليبتسم امام الكاميرا و هو الى جوار دبابة او يصافح جندى..لم ينظف الميدان او يضع كمامة على وجهه لتكون هذه صورة ملفه الشخصى للشبكة الاجتماعية للايام القادمة.....لقد اكتفى..حقق ما اراد و آن له ان يستريح...لقد كان رجل حرب و الآن وقت السلم..لا وقته و لامكانه..يجب ان يتوارى...ودَّع قطعه من ذاته هناك  و ترك الميدان و عاد الى حياة الناس...لم يشارك فى جمعات فئوية..و لم يطالب بزياده راتبه..كان يشعر ان هذا يقلل من قدر ما صنع..ترك كل شىء..خفتت من حوله الاضواء..عاد الى سابق روتين حياته من دون ندم....
توالت عليه الايام...تاه كل شىء فى ذاكرته و تحول الى ومضات...لا احد يريد له ان يعود..الكل يربت على كتفه ان حسناً فعل لكن اترك الامر للكبار الآن...يسمع كلام بعيد عن مجلس..انتخابات..اصبع فسفورى..دستور..تجاوزات جيش..يسمع و يختزن عقله لكنه لا يفعل اى شىء..يرمق قلاده صاحبه..يتذكر يشرد..ثم ينسى..بعض مواضع فى جسده تؤلمه بندوب لا تزول لكنه يتناسى..كوابيس تراوده من حين لآخر لقتيل يستنجد به دون اجابة  لكنه يصحو الى غيبوبة فكر طويلة..تتراكم النقاط على السد لكنه لا ينهار..

تأمل تقويم الحائط..غريب ان مر عام..لم يتغير شيئاً فى حياته طيلة كل الفترة السابقة..فلم يصر الجميع ان العام قد انتهى ؟؟ الكل ينادى بضرورة الاحتفال بالثورة..و هو يتسائل فى ذاته..ايه ثورة ؟؟ الثورة التى شارك فيها ؟؟ و هل انتهت ؟؟  لا يتم الاحتفال الا بشىء مُنجز و الا عد عبثاً .., و هل احتفل المصريون بالسادس من اكتوبر و اسرائيل تحتل مصر؟؟ هل حقاً انتهت الثورة؟؟ هل حقاً تحققت مطالبها ؟؟ فكر قليلاً و لم يجد فى نفسه اجابة واضحة...

تأمل القلادة من امامه...تأمل نشرات الاخبار تنقل صور حية للميدان...شعر بحنين خفى يتحرك فى صدره..لأيام قديمة..تعود الى ذهنه الآن حية متجددة..من ذهب و من بقى و من مات و من ضحك و من بكى..يجب ان يعود الى هناك..كل شىء يبدو معداً....

كان يوماً من المؤيدين للجيش..لكن الحقائق لا تكذب..و المجلس لا يجيد التجمل..كل شىء ضده...لكن على الرغم من ذلك شعر ببعض الصراع فى نفسه...بين الاقدام او الادبار...

كى يساعد نفسه.. اخرج و رقة بيضاء صافية يخرج عليها افكاره..فكل شىء يبدو مرتباً واضحاً على الورق..

كتب على رأسها بخط عريض..

" لماذا يجب ان اعود الى الميدان ؟؟..."

و شرع يعدد...

**************


-لأنى طبيب و مرتبى 200 جنيه..
-لأن وزارة الصحة ترانى كائناً موطنه الاصلى:الصعيد....
- لأن معاون خدمة البنك المركزى قادر على اطعام حى كله بمرتب شهر....
-لأن اهالى الشهداء يستشهدون للحصول على حقوق من فقدوا..
- لأن احمد حرارة مازال لا يبصر...
-لأن سميرة الصعيدية لم يتم الكشف على رجولة من انتهكوها...
-لأن الفتاة المسحولة لم يتم تعرية من عروها...
- لأنى لا اطيق مواقف نوارة نجم لكن من يضرب امرأه ليس رجلاً..
-لأن كلنا علاء عبد الهادى كما كان كلنا خالد سعيد...
- لأن فى الوقت الذى شيع فيه المسيحيون جنازة لشهيد الازهر كان فيه الاخوان قابعون فى بيوتهم بأنتظار نتيجة الانتخابات...
-لأن الاعيب السياسة تثير اعصابى و المماطلة تقتلنى و موت الناس يحزننى..
- لأن مجلس الشعب لا يعبر عنى....
- لأن الدين عند الله الاسلام و ليس الاخوان....
- لأن حزب الله هم المفلحون و ليس حزب النور....
- لأن شرعية تهنئة النصارى بعيدهم اصبحت حديث الساعة...
- لأنى تعبت من عروض الازياء المختلفة التى تتنافس الاحزاب لأدخال امى فيها..ارجو ان يحترموا حقيقة انها متوفاة...
-لأنى لم اكن من مؤيدى البرادعى و مع ذلك احترمت الرسالة التى وجهها فى انسحابه...
-لأن الملل الثورى قد بدأ فى التسرب الى روحى...
-لأنى سئمت الشعور بالخديعة..
-لأن النائب عن دائرتى فى البرلمان و رئيسى فى العمل و (خيرى رمضان) من الفلول...
- لأنى ارغب فى التأكد انه لا توجد قناصة و لا رجال و لا وزير فى وزاره الداخلية..فى الغالب الوزارة نفسها اختلاق من وهم الفوتو شوب..
-لأنى الوحيد فى مصر من لا يتقن الفوتوشوب و لا يعى  قدراته الهائلة فى صنع المعجزات..
- لأن حمله تشويه يقودها واحد من "المواطنين الشرفاء" المحبين للفنجرى و للمجلس العسكرى , قد طالتنى و اصدقائى وصفتنا بالانونماس المخربين....
- لأنى شاهدت الفيلم أكثر من عشر مرات و لا اعلم من اين اتى حرف الباء الشيطانى فى كلمة (بانديتا) من قبل الاخوان..
-لأنى اكره الدببة..

- لأنى لا اعلم لم يقولون اناركى و لا يقولون فوضوى...
-لأنى لقبت بالماسونية ممن لا يعرف معناها...
-لأنى فى امس الحاجة الى العملات الدولارية التى تغدقها علينا الايادى اجنبية و الاحزاب شيعية و التى اتلقاها ثمناً للعمالة..
- لأنى اريد ان انتفع بآخر عروض كنتاكى التحرير...
- لأنى اشعر ان " الانجلش لانجوش" خاصتى قد اصابها الترهل و بحاجة  ماسة الى الممارسة مع باقى العملاء....
- لأن 6 ابريل مؤسسة صهيونية ترغب فى قطع الغاز عن اسرائيل...
-لأن العسكرى يريد السلطة...
-لأن المشير وغد..
- لأن الجيش ليس هو المجلس..
-لأنى ارغب فى تلقى الهدايا التى سيلقيها المجلس العسكرى على "رؤوس" المواطنين...
-لأن المدنين يدانون دون جرائر فى محاكم الجيش..و العسكريين يبرئون دون قرائن فى محاكم الشعب...
-لأن مبارك يحترم القانون.. طاهر اليد.. نقى القلب.. عفيف اللسان...(اومااااااااااااااااال..)
-لأن مبارك هو الحاكم الفعلى للبلاد...(هاااااااااااااار اسود !!)
-لأن الشيخة ماجدة تدعو لمباريك بالبراءة..
-لأن هناك من يصر على ان احمد شفيق هو افضل رئيس وزراء مر على مصر...(ايـــــــــــــــــــه ؟!)
- لأن شفيق سيترشح للرئاسة و لم يغير البول اوفر..
- لأن حبيب العادلى مازال يبتسم..Smile
- لأن حسين سالم مازال يشجع برشلونة من المدرجات...
-لأن برنامج توفيق عكاشة ما زال يذاع..
- لأنى افتقد حفلات طلعت زكريا الماجنة..
-لأنى اريد ان اقف حائلاً بين عفاف شعيب و الريش..
- لأن عباس الضو بيقول لأ...
-لأن عجلة الانتاج سُرقت و لم يدفع احد ثمن تأجيرها..
- لأن البنزين ازمة مختلقة..
-لأنه لم يتغير شىء فعلياً سوى التوقيت الصيفى و اللحى تحت قبة البرلمان...
- لأنى مصرى...

*****************

الى هنا انتهى..وجد القائمة رغماً عنه تتسع فى كل لحظة يود لها فيها ان تنتهى..فقاقيع صابون..تتوالد فى حرية و انتشار كلما انتهت..حتى تسائل فى سره لم فكر من البداية..الامر يبدو واضحاً لا التباس فيه..نعم سيكون هناك..لأن هذا هو مكانه طبيعى..سيكون هناك حتى يتم ما بدأ...
و اعتقد انه لو كان له صفه تواصل مع الناس لأهاب بهم للنزول..الاحتفال بعيد الثورة اكبر اهانة لها..فالثورة انقضى من عمرها عام و لم يمر عليها سنة و الفارق واضح...عام منح فيه الجميع المهلة الكافية لاثبات حسن نواياهم و قدرتهم على الادارة فلم يفلحوا..عام تضاعف فيه عدد الشهداء و المصابين و فاقدى الاعين..عام خذلت فيه سياسة تسرب اليها دين زائف الميدان...عام انشغل فيه الناس بالصراع عن التحالف..بابداء التخوين على الاخوة..رضوا فيه بالمقاعد و دفعوا لقائها ارواح الناس ثمناً...انصفوا الجلاد على الضحية...حولوا الثورة فيه الى مجرد هوجه قام بها غوغاء..هوجه ستأخذ وقتها الطبيعى و تنقضى و يعود بعدها كل شىء كما كان...
يجب ان ينزل الجميع..ان يعودوا للميدان..الدعوة عامة..و تشمل كل من اشتملت خصائصه على كلمة مصرى..لا يهم الانتماء..لا يهم التوجه..المهم ان تكون هناك..فى قلب مصر النابض...يشكل هتافك صرخة الافاقة لكل المغيبين غاضى البصر عن كل الحقائق التى تجرى ببشاعة امام اعينهم...الثورة حقيقة لا يجب اغفالها..و لا يجب ان تترك لتموت...

قامت هذه الثورة حتى يسقط النظام..و لن تنتهى حتى يرحل النظام..

اراكم جميعاً فى الميدان ان شاء الله....