الأحد، 27 نوفمبر 2011

يوم فى التحرير….(1)

 

17962016088267396165215

 

قالت انها ذاهبة للتحرير الآن لتتبرع بدمها..على حد قولها "اشعر ان جسدى لا يستحقه"..بضع كلمات قليلة لكنها تصيب الهدف فى مقتل..ادور فى ارجاء هذا البيت كالاسد الحبيس منذ بداية الاحداث ابادل المظاهر بين جدرانه الخانقة و المشاهد المليونية للميدان على نشرات الاخبار..لا يحول بينى و بين ان تتحول المليونية البصرية الى مليونية واقعية اشارك فيها و انغمس فى احداثها سوى وعد قطعته مرغماً على نفسى الا افعل...

احترم وعودى كثيراً و لا احنث بها ابداً..لكنى اليوم اجدنى مرغماً..عندما اسمع هذه الكلمات من انثى ضعيفة معدومة الحيلة فأنا حقاً لست رجلاً..هذه اللحية تركيب وهمى لا ينتمى لوجهى طالما مازلت قاعداً هنا مكتفياً بالتشجيع و رفع الهمم بخدمة التسوق عبر المنازل..يجب ان اكون هناك الآن..

نظرت الى وجهى فى المرأه بعد ان ارتديت ملابسى على عجل..الشعر غير المنمق و اللحية غير الحليقة..هل حقاً قد اموت اليوم ؟؟ لا اشعر بذلك بعد..اشعر ان هناك علامات خاصة لقيام ساعتى انا و بعد انا لم ارها..دلائل و اشارات سأبصرها حتما فى حينها..هل سيصيبنى خرطوشاً هائماً فى عينى فيحرمنى نعمة الابصار و يقضى على مستقبلى قبل ان يبدأ؟؟ لا ضمانات هنا..هذه مخاطر لا تغطيها شركات التأمين و تصب فى دائرة واسعه لا مرد لها هى دائرة القدر..لكنها لحظة بعينها تشعر انك ان لم تغتنمها فلن تستطيع ان تنظر وجههك فى المرآه ثانية..ستعيش بصيراً و لكن مكسور العين الى الابد..و لا اعتقد انى قادر على الحياة يوماً بهذا الشكل..

تركت مرآتى و منزلى كله مودعاً اهلى بكلمات مبهمة لا تدل على هدف او وجهة بعد ان توضأت وصليت ركعيت رجوت الله ان يغفر لى فيها ما اسلفت من ذنوب فى حياتى القصيرة..اليوم احنث بوعد و اكذب و هذه اشياء اكرهها و لا اذكر انى فعلتها قاصداً فى حياتى قبل ذلك..فليسامحنى الله و لتسامحنى نفسى.. لكن طالما كان ذلك من اجل هدف انبل , فسيطغى هذا مؤقتاً على شعور المرارة الذى يكتنف روحى الآن..

انزل الى الشارع فأشعر بشمس الصباح الشتوى تستقبلنى لتمحو عنى جزءاً من همومى..اسير فى خطوات متسارعه الى محطة المترو فلا يفصلنى عنها سوى بضعه دقائق من المشى..لقد اصبحت اعرف وجهتى جيداً و كف عقلى عن التفكير و لم يعد فيه ناشطاً سوى مراكز الحركة لتجد السير..

محطة (الدمرداش) مزدحمة على غير العادة..و الساعه مبكرة و ليست متزامنة مع توقيتات الوظائف او الطلاب و المفترض لها ان تكون خالية..يبدو ان رغباتى و الواقفين هى ذاتها فى هذه اللحظة...
المترو يتأخر على غير عادته فيتضاعف عدد المنتظرين الى الضعف او الضعفين..جمهور صغير يملأ رصيف الانتظار و ينظر بتأمل الى  اليمين حيث يظهر الامل ممثلا فى الوحش الحديدى المسرع..اشعر الآن براحة عجيبة..لا افكار ثانية و لا تردد و لا اى شىء..و كأنى ولدت لأنتظر هذه اللحظة و اعيشها..غريب انى انتظرت طيلة كل هذا الوقت لآخذ قراراً كان سيسبب لى كل تلك الراحة..

يتوقف المترو لتُخلَط كالعادة ابواب الصعود و الهبوط بفعل الزحام..و يتحول كل باب الى معركة دامية بين فريقين يدفع كل منهما فى اتجاه مغاير..مساجين يبغون الحرية و احرار يبغون الركوب..بطريقة ما وجدت نفسى فى الداخل بغير رغبه منى بفضل الدفع الشديد..ربما تكون هذه السيارة النسائية..حقا لا اعلم..

الزحام بالداخل كان اشد و كأنه يوم الحشر..ليتنى كنت انتظرت العربة المقبلة..تريد ان تعرف كيف يصنعون علب السردين؟؟ لدى فكرة رائعه لك عن الخطوات المفصلة لتلك العملية الصعبة..و اذا سألنى ابنى عنها فى يوم فساصطحبه الى المترو فى ساعه متكدسه حتى يرى بأم عينه فلا يسأل هذا السؤال مرة أخرى….

كل واحد من الركاب تجمد على وضعية معينه مهما كانت غير مريحة و لم يستطع الفكاك منها , حيث الحركة تتم فى حيز محدود , الطموح فى اقصى منه يعد ترفاً….فقدان تام للكينونة شعرت به..اشعر ان لى يدين و ساقين و جذع فى مكان ما..لكنى لا اشعر بهم و كأنهم اختلطو فى الزحام مع اعضاء اخرى او تمت سرقتهم و بيعهم فى السوق السوداء..قطرات العرق تتكون على جبهتى فلا اجد يداً لى امسحها بها قبل ان تحط على العدسات المحدبه لنظارتى و تحيل الرؤية مجهوداً..

كل هذه رفاهيات..المشكلة الحقيقة ظهرت لحظة اقتراب محطة (غمرة) و رغبه الناس فى الاقتراب من الباب للمشاركة فى لعب دفع من نوع آخر تمكنهم من نزول المحطة..لعبه من التوافقات و التبادلات من الحركة و الاحتكاك تمكن كل واحد من احتلال مكان الآخر بصعوبة..ذكرنى المظهر بصورة الحيوانات المنوية عندما تأملتها تحت المجهر للمرة الاولى و هى تتحرك و تصدم ببعضها بفعل الزحام...

جاء الفرج القريب ممثلاً فى محطة (الشهداء) حيث خففت الزحام بشده و جعلتنى اشعر ببعض الآدمية من جديد و قد عاد الدم الى اطرافى..تأملت اسم المحطة على اللوحة الارشادية فوق الباب.. فقد تم تغيريها  من (مبارك) الى (الشهداء)..و مع ذلك تكفل احدهم بشطب الكلمة المطبوعه و كتابه اسم المحطة من جديد بخط اليد..و كأنه لا يثق بالتغيير الا اذا تم بيده هو..او هى رغبه فى العبث…

سألت الرجل الى جوارى..شاب يكبرنى ببضعه اعوام على اقصى تقدير
" هل سيتوقف فى (التحرير) ؟؟"
ليس سؤالا احمقاً و انما اشاره الى اغلاق هذه المحطة ايام الثورة الاولى فكان على من يرغب فى الذهاب اليها سلوك محطة (الاوبرا) المهمشة و التى ظهرت لها اهمية فى تلك الايام..و الاكمال منها سيراً الى قلب الميدان عن طريق كوبرى (قصر النيل)…

قال مبتسماً
" نعم..كل شىء طبيعى..هذا كان ايام (مبارك) فقط..."
هززت رأسى مبتسماً و قد حصلت على مبتغاى و قررت الصمت..لكنه بادرنى قائلاً
" انت ذاهب الى هناك؟؟ "
ياله من سؤال ذكى
" نعم.."
" هل يضايقك لو قلت لك  رأيى بصراحة فيما يحدث هناك الآن؟؟"
" قطعاً لا..."
قلتها صادقاً و قد ظهر الاهتمام محل الملل و نفاذ الصبر فى عينى..
" بصراحة اجد ما يحدث الآن مبالغ فيه بشده..البلد رهينة فى يد مجموعه - اسمح لى- من الصبية هم اصبحوا صناع القرار...لا اعلم من يملى عليهم قرارتهم..احزاب ام تجمعات ام دول..ربما كانت الاحداث فى يناير مختلفه..لكن حقاً اترى فى الصدام مع الجيش حلا لمشكلاتنا ؟؟"
صمت و لم اعلق..لم اعتد مهاجمة الاراء قبل ان اعطيها فرصة الاثمار اياً كان اختلافى معها..لكنى بالفعل اكره هذه النغمه عن الشباب الذى يدار بالزمبرك..

" هناك فرق شاسع بين الصدام مع الجيش و الاختلاف مع قاداته..لا احد يهاجم الجيش كقوى دفاعيه..بل الهجوم كله منصب على قاداته و على عدم اتقانهم للسياسة..."

" المشكلة ان لا احد يصبر..مطالب و احباطات ثلاثين عاماً تجمعت كلها فى لحظة واحدة فى نفوس الجميع فلم يعد يرضيهم شىء..هل حقاً تتصور ان مشاكلنا ستحل برحيل المجلس العسكرى؟؟ هراء..مشاكلنا أكبر من ذلك و اعمق بكثير..."

كان قد بدأ ينفعل و صوته يعلو و قدرت انه واحد من الاشخاص العاطفين الذين يفقدون تحكمهم فى ميزان اعصابهم عند الانخراط فى اى نقاش حاد..فلم اشأ استثارته..فى الواقع كنت مكتفياً بالردود المقتضبة التى لا تفصح عن رأيى كثيراً لأنى لم اشأ للامر ان يتحول الى مناظرة يشاركنا فيها كل رواد المترو..

" مشاكلنا كثيرة جداً اعرف..لكن الحلول تكون بتناول كل مشكلة على حدة..لو جلسنا نتأمل مشاكلنا على مجملها آملين ان نتلقى وحياً للحل من السماء فلن يحدث هذا..المجلس العسكرى ماطل كثيراً..و فى كل دقيقة يثبت انه فى معركة ما مع الوقت..كل لحظة يطلب المزيد منه..و لماذا يحتاج اليه؟؟ الله وحده اعلم..لكن زمن افتراض النوايا الحسنة قد ولى…فتجاوزاته اصبحت كثيرة جداً و ابسطها المحاكمات العسكرية للمدنين و الشهادة المؤيدة فى محاكمة النظام السابق..."

آيات عدم الاقتناع على وجهه جلية لكنه لم يعقب فأعطانى الفرصة ان اتابع فى لهجتى الهادئة التى تحاول قدر الامكان امتصاص طاقته الحوارية العالية
" الناس قامت بثورة آملة فى التغيير..بذلت فيها الكثير جدا..ثم يمر الوقت و لا شىء..اعظم تغيير لمسوه هو تغير اسم محطة (رمسيس) من (مبارك) للـ (الشهداء) و الغاء التوقيت الصيفى..هذا الاحتقان له ما يبرره..."

عاد اليه انفعاله من جديد
" و ماذا عن من يموتون هناك الآن؟؟
هل تعلم شعور اب بذل فى تربية ابنه سنوات عمره من مال و جهد حتى بات شاباً يافعاً فى مقتبل عشريناته..اب على اتم استعداد ان يقايض حياته حتى لا يرى ابنه مريضاً..فإذا به يراه جسداً بلا روح...و كل هذا من المتسبب به؟؟ مجموعه من القيادات المترهلة تملأ عقول الشباب و تشحنهم الى الميدان بينما هم آمنين مطمأنين على حيواتهم خلف مكاتبهم الحصينة...."

اعاد كلامه الى بعض شعور من ضمير متأنب كنت قد ظننت انى نجحت فى اخماده و ذلك عندما تحدث عن الاب و الاهل..مازلت حتى هذه اللحظة اعد نفسى متسللا و لكم اكره هذا الشعور..

اتفق مع كلامه فى جزئية واحدة..دماء الشباب التى اريقت على ارض الميدان اغلى ثمناً من هذا كله..ابسط شعرة على جسدهم الطاهر انفس من (مبارك) و المجلس العسكرى مجتمعين...لكنى اختلف معه فى ان هذا لم يضع هباءاً..لم يضع هباءاً ابداً..

اغلقت الحوار الى هذا الحد..ليس اذعاناً او لضعف حجة..و لكن لأنى بالفعل لم ار فائده من النقاش سوى الجدل..هو لن يغير رأيى و لا قناعاتى و لا انا قادر على ان افعل المثل به..سينتهى هذا الحوار على مبدأ " لكم دينكم و لى دين"..لذا ادرت الحوار عن دفة السياسة و اكتفيت بنقاش فاتر عن شئون الحياة المختلفة...

توقف المترو..اتراها محطة (ناصر) ام (عرابى) ؟؟ انها (ناصر) لقد اقتربنا كثيراً...لكن الابواب الالكترونية للعربة لا تنغلق رغم خلو المحطة من الجمهور الغفير..غريب..الآن يطيل من مكوثه و المحطة خالية و عندما  تكون شاغرة يسارع بالحركة غير عابىء بمن يغلق عليه الباب؟؟ حقا غريب...

لكن التوقف يطول اكثر من المعتاد هذه المرة..فتشرأب الاعناق من داخل المصاريع المفتحة للعربة الرابضه فضولاً لمعرفة سبب التوقف المفاجىء..لم يخيب السائق ظننا كثيراً و منحنا العرض الشائق الذى تاقت نفسناً لرؤياه لتزجية اوقات الانتظار التى ارغمنا عليها بتوقفه هذا..

صوت صراخ نسائى مميز..و كأنها امرأة يتم التحرش بها..الى هنا فاض الفضول بالركاب و بدلا من الاكتفاء برؤوسهم و عيونهم التى سبقتهم الى داخل ارض المحطة وجدوا اجسادهم تتبعها دون اراده لمعرفة سبب هذا الصوت...وجدت نفسى انا كذلك اتبعهم رغم ان فضولى يحتاج الى قنبلة لأن يثار..لكن الامر كان اقوى منى فعلا...

على احد المقاعد البلاستيكية المريحة و جدنا مصدر هذا البوق الذى لا يهدأ..امرأة فى منتصف العمر تولول و تبكى دون انقطاع.. قدرت انها لم تتعرض لأى تحرش على عمرها هذا و لو تعرضت فلا داعى لكل هذا الازعاج و لتعده اطراءاً و تصمت….

كانت بجوارها امرأه تهدئها بينما التف الناس حولها آملين فى معرفة  ما ستدلى به من سبق صحفى هام.…لكنها فقط كانت تصرخ بلا انقطاع دون ابداء المزيد من التفسيرات

" بلطجى..بلطجى.."

الحكاية كما عرفتها هى شاب اقتحم عربة النساء الخاصة و هناك اخرج مطواته التى احسن اخفائها فى طيات ثيابه ( و هذا يعطيك فكرة رائعه عن مستوى الحفاظ على الامن فى سكك حديد مصر ) , يبغى عن طريق الارهاب و التخويف سرقة احداهن و ما تحويه حقيبتها الخاصة من مقتنيات و مال……لأجل حظه العثر تتوقف العربه و يشاهده احد المترجلين على المحطة فيحاول التدخل  لانقاذ الموقف , فيلقى جزاء حماسه ضربة مدية حادة تمزق جلد ساعده..حمدت الله فى سرى انها لم تكن اصابة غائرة و الا لأختلف الوضع ساعتها…..الغريب فى الامر و الذى استوقفنى كثيراً هو : لم صرخت المرأة "بلطجى" و لم تصرخ " لص" كما هو معتاد ؟؟ اهى ثقافة الثورة تترسب الى لاوعى الناس بتلك السرعه؟؟ لا ادرى..

رفعت رأسى الى داخل العربة النسائية التى تحولت الى حفل صاخب من الصريخ و العويل و هو كالعادة رد الفعل النسائى الاوحد تجاه اى شىء مفرحاً كان او محزن.. و قد تحول البلطجى المزعوم على ارضها الى عجين انسان تم تسويته بالارض التى يطأها الجمهور بالالوف يومياً...الحماس و الكبت و الضغوط كلها تتفجر فى جسد ذلك البلطجى كعادة المواطن المصرى المقهور فى الغالب و الذى يستغل هذه الفرص جيداً لتفريغ طاقاته من حين لآخر..ليس متاحاً له ان يتشاجر فى المنزل و لا فى العمل..لا يملك ترف ممارسة الرياضات العنيفة فى النوادى..فلا امل له فى تهوية الكبت الا فى دقائق ممتعه كهذه….

لكنى بالفعل لم اشعر بذرة تعاطف تجاه هذا الحيوان..هو فعلا يستحق...من يتسلل الى وسط النساء..من يهدد امرأة وحيدة يريد سرقتها..هو فعلا حيوان و لا يستحق ان يعامل كما البشر…لكنى ومع ذلك لم استطع ان امنع نفسى من الضحك فى سرى..كلهم يتظاهر بالشجاعه الآن و كل واحد منهم  مستتر فى قوة من جواره..فهل لو صادف احدهم فى زقاق مظلم هل سيكون لهم نفس الجرأة و الشجاعه ساعتها؟؟؟

تدخل امن المحطة لينقذ اللص/البلطجى من ايدى المتحمسين الفاتكة و خلصوه باعجوبة..فهم لا يريدون للامر ان يتحول الى شروع فى قتل..اين كانوا هم من البداية اذا لمنع حادثة مثل هذه من الحدوث اصلا ؟؟ و كيف يسمحون للناس بالدخول الى وسيلة مواصلات عامة و هم يحملون السلاح؟؟ كلها اسئله معلقة بلا جواب…فقط ارجو كذلك ان يهتم احدهم بالمخلص الشجاع و لا يتركوه لينزف حتى يموت ,  و الذى نسينا كل شىء عنه فى حفله تفريغ الكبت هذه...

تأملتهم و هم يسحبونه الى الخارج بعيداً عن بطش الناس و يحوطونه كأنهم حرس خاص لرئيس فى فيلم امريكى..اذا تناسينا اثار الضرب البادى على وجهه فيمكن ان نلمح من تحتها انساناً عادياً..واحد آخر ممن نصادفهم فى كل مكان و خلف كل باب..كان دائماً لدى تلك الرواسب الطفولية بأن البلطجى كائناً آخر من غير بنى البشر..واحد قادم من العالم الفتوات الساحر لـ (نجيب محفوظ)..لكن الحقيقة محبطة دائماً...

انفض المولد و عادت كل الامور الى سابق عهدها الممل..و ذكرنا السائق بهذا عن طريق عده ضغطات متتالية على زر بوق المترو العالى..فتذكر الجميع ان لديهم حياة و مشاغل ينصرفون اليها و هى اهم لديهم من كل هذا الهراء...

عدت الى سيارة مغايرة غير التى كنت فيها سلفاً مع اناس جديدة و اراء جديدة لكن الوجهه ما تزال كما هى...

" هذا ما اخذناه من الثورة..البلد لم يعد بها امن..لم تعد هناك قبضه محكمة للشرطة على شىء و قد فقدت كل هيبة لها..."

هذه كانت من رجل مسن اصلع على شىء من البدانه..لم يكن يوجه لى الكلام لذا لم ارد بل كان يلقيه عائماً ليصطاد به اذناً تأيده.. اعرف هذا النمط جيداً و عاصرته بقوة فى اعقاب الثورة الاولى..واحد آخر ممن ينسبون كل شىء يسوئهم الى الثورة..لو استيقظ صبيحة يوم و وجد زجاج سيارته ملطخ بفضلات الحمام  , فالثورة هى السبب و الثوار الاشقياء هم الفاعلون..و كأن مصر قبل احداث يناير كانت قطعه يوتوبية من الجنة..ليس بها سرقات و لا تحرشات و لا قتل..و اتت الثورة و افسدت كل ما كنا نحظى به من امن و سلام و رغد العيش..هذه افكار خفيفة معدومة الجدوى و لا يجب ان تكرم برد...

" يا اخوانى لقد حذرنا الرسول الكريم من هذه الايام كثيراً..و نصحنا ان نعد لها عدتها , و نأخذ حذرنا منها , و علينا ان نستمع الى ما اوصى به.."
هذه المرة المتحدث رجل فى اوائل ثلاثيناته لكنه ملتحى و يرتدى الجلباب و العمة و من تحتها البنطال الطويل و كله يجمعه البياض و قد غطته سترة ملونة..هذا الزى المميز للشيوخ لابد و انك تعرفه....

" قال الصادق الامين على هذه الايام انها ستكون فتن كقطع الليل المظلم..فتن سوداء تغرق امه محمد و على المسلم الحق اجتنابها...و يقول المعصوم ايضاً انه اذا اقتتل مسلمان فالقاتل و المقتول فى النار.."

كانت قد حوطته جماعه كأنها اصبحت حلقة للذكر او خطبة من خطب الجمعه..لم انضم اليها لكنى حرصت ان اظل استمع الى كل ما يقول فيها...

" بالامس قابلت مجموعه من الشباب قالوا انهم ذاهبون للتظاهر فى (التحرير)..قلت لهم: هذا محل موت..فهل انتم حقاً جاهزون للقاء خالقكم؟؟...قالوا:نعم...قلت: اصليتم المغرب..العشاء...قالوا:كلا...

فكيف بالموحد ان يستعد للقاء بارئه و هو لا يقيم صلاته ؟؟
هذه الشباب لا تعلم من امرها شيئاً و يتم دفعها و الزج بها فى بؤر الفتن..و السبب هو البعد عن كتاب الله و النأى عن سنة رسوله...."

كانت قد اقتربت محطة نزولى فاستعددت للتزاحم ووجهت اليه كل اعضاء جسدى فلم يبق منها حر سوى اذن تنضم الى تلك الحلقة وتنصت لما بها من كلام..و الكلام هو ذاته الذى سمعته منذ قليل..فقط هو ممزوج بصبغه دينية تجعل شكله مغايراً و مستساغاً للنفس اكثر….

ما زال رأيى كما هو..على الاقل انا صليت -الحمد لله-  فروضى قبل نزولى و زدت عليها تحسباً للقاء قد يأتى على غير استعداد من ناحيتى لكنه موعدى الذى لن اخلفه...

المترو يتباطىء و المح من خلف زجاجه جحافل الناس تستعد لأقتحام العربة و احتلال مواقعنا..فاستعددنا لهم من الداخل بطاقة مماثلة..المترو يتوقف فلا المح سوى الاسم الواضح للرئيس السابق بطل الحرب و السلام و العميل فى تأويلات أخرى (السادات)..هذه هى محطتى المنشودة......

الباب ينفتح..و تبدأ المعركة......

**********************

( يتبع…)