الأربعاء، 18 مايو 2011

الفرح......( 2 )..

 
party-pills
 
أول ما يصدمك فور دخولك هذا الضوء الساطع يغشي الابصار للحظات..و بمجرد ان تتكيف شبكيتك علي شدته حتي تبدأ أذنك الحساسة  في الشكوي من ضوضاء الموسيقي الصاخبة..و قد حرص المسؤل عنها في جعلها تعلو و تهدأ في عشوائية حتي لا يعطيك فرصة علي اعتيادها او التوقف عن التضرر منها..

كان اول من استقبلنا هو خالي الاكبر و قد سبقنا الي الحضور الي هنا بوقت قصير..وجدته و قد ارتدي حلة انيقة لم يعيبها سوي ذلك المنديل الاحمر المضحك العملاق المتدلي من جيبها..ما يزال هذا الكهل المتصابي يأبي النضج..علي عكس خالي الاخر كان قد اتي بمفرده تاركا الزوجة و الاولاد في المنزل بعلة الامتحانات,لكني كنت اعرفه جيدا و اعرف ان نواياه ليست سليمة تماما...
المكان من الداخل مقسم الي عدة موائد مستديرة عملاقة تم تقسيمها علي اساس القواسم المشتركة..واحدة لأقارب العروس..واحدة لأقارب العريس..واحدة لأصدقاء الجامعة....الخ...و توسطت هذه المناضد مسرح خشبي مرتجل بسيط اعتلاه العروسان و حوطه مجموعه من الشباب الجامعي من زملاء دفعتهم اندمجوا مع الاغاني الصاخبة في نشاط راقص..لم استطع تبين العروسين من موقعي الاول فتركت الفضول يلتهمني قليلا حتي أجلس و أكون في وضع أفضل يتيح لي رؤية أوضح..
عدد الحضور محدود فعلا و لم ادر لهذا سببا.. في حين يبدو البذخ هو السمت المسيطر علي الجو العام للحفل..لا اظن السبب هو الاقتصاد ابدا.. فكرت في ذلك و خالي يقودنا بين الموائد المتراصة -قليلة الجالسين محدودة العدد- الي المائدة التي سنجلس عليها طوال الحفل و هي لأقاربنا من أخوة و أخوات أم العروس المتوفاة...
الانطباع العام الذي تلقيته منهم هو الترحيب المشوب بالحذر و الدهشة لنموي و تحولي الي رجل ناضج..و كأن حري بي أن أوقف خلاياي عن الانقسام في الفترة التي انقطعت فيها عن رؤيتهم..و أمي تعرفني الي الجميع في فخر غير مبرر  و تسبق اسمي بلقب "دكتور "..اتذكر تعاستي في الصباح و أنا غارق في بركة من القيء و الجهل العن في سري الطب و الاطباء فأضحك في نفسي..
أول الجالسين من اخوة أم العروس رحمها الله  كان قاضيا في فترة سابقة من حياته بينما هو الان متقاعد..كان علي شيء من السماجة و التظرف..  تصحبه  زوجته المتسلطة و قد اكتسحت شخصيتها الصارمة شخصه المائع بالكامل رغم سطوة مهنته السابقة...
اما الثانية فكانت  ربة منزل لا تعمل..بعد وفاة زوجها الاول الذي كان متدينا نزعت النقاب و ارتدت الحجاب علي هوي زوجها الثاني..و هي علي نقيض زوجة اخيها و مثل شخص اخيها ذاته,شخصية منقادة..لابد لها في حياتها من رجل يخبرها ماذا و كيف تفعل كل شيء..اب او زوج او اخ او حتي ابن..بدون رجل في حياة هذه المرأة ستكون ضائعة بالكامل....
اما الثالثة - وهي أكبرهم- فهي أمرأة مسنة مريضة متزوجة من محامي شهير جهوري الصوت سليط اللسان يجلس الي جوارها..بينما جلس الي جواري أنا ابنهم الشاب في أواخر عشريناته,و هو محامي مثل ابيه لكنه علي نقيضه هاديء الطباع دمث الخلق,وقد بدا اقرب الموجودين علي المائدة الي الصحبة البشرية الي في هذا المكان القفر..
 

بدأت أشعر بالضيق سريعا و تمنيت لو تنتهي هذه السهرة حالا و فأتناول طعامي و أنصرف لأصحو و أجد نفسي بين المرضي من جديد..وجدت ذهني ينصرف عن الموجودات و الصخب من حولي برغمي الي مكان اعرفه و الفه جيدا....الي صوت الست ووجه امرأة لا أجرؤ أن اصرح اني أحبها...
رباه كم افتقدك !! كم اتمني ان اعتزل هذا الزحام الي عالمي الخاص حيث انت ملكته المتوجة و اميرته الصغيرة التي لن تشيخ ابدا..اتمني لو كنت هنا و الان..لو تنهار حواجز الزمان و المكان و نصير معا للابد..كيف يسمون هذا فرحا و اجمل عروس في الكون لا تحضره؟؟اتمني لو كنت هنا تفترشين معي العشب الرطب و نقرأ مستقبلنا المشترك  وقد رسمته النجوم اللامعه علي صفحة من  السماء الصافية.. ****************************************************
الليل و سماه..و نجومه و قمره..و انت و انا..يا حبيبي انا....
****************************************************
مع مرور الوقت بدأ عدد الملتفين حول العروس يقل..بدأت اراها في وضوح اكثر..لشد ما تغيرت..غريب اثر الزمان علينا..بدأت فعلا اقدر نظرات الدهشة في وجوه من رأوني بعد غياب..اخر عهدي بها طفلة مزعجة ذات اسنان امامية ناقصة..اما اليوم فهي شابة جميل قطعت شوطا كبيرا في عالم الانوثة..
فكرت :لقد احتجبت عن الانظار طويلا حتي عادت الينا عروسا جميلة..كأنها يرقة صغيرة اعتزلت الناس في خدر العذراء حتي خرجت الي العالم  أجمل فراشة...
نحيلة جدا جدا..مما اكسبها رقة زائده..انا اكره النحيلات عاده لكن جو الرقة و الهشاشة العام المحوط لها اكسبها سحرا خاصا..انفها الاقني طويل بغير قبح..اشعر كأنها بجعة رقيقة تقف علي ضفاف نهر لتشرب و من خلفها تتصاعد الشمس تنهي الليل لتبدأ فجر يوم جديد..او انها باليرنا رقيقة تسير علي اطراف اصابعها  لتؤدي رقصة خفيفة علي موسيقي صامته  تخشي فيها ان تلامس الارض باعتبار ان في ذلك شيء من القسوة....
قلت في سري:كان من  الممكن ان تكون هذه زوجتي و ان يكون هذا عرسي انا بالذات..ان اكون انا سعيد الحظ الذي سيرفل بالنعيم الذي عاد به والدها بعد سنين من الكد في بلاد النفط..سامحك الله يا امي..
مازلت احاول البحث عن الرجل الذي ظفر بها..و قد حوطها العديد من الرجال من زملائها مما جعل تبين زوجها من بينهم عصيا.. لي اعتراض بسيط علي هذا الأمر لكني لست زوجها علي ايه حال..بالمناسبة:اين هو ذلك الرجل؟!..
لكن  تفكيري انشغل عن هذه المسألة  بالالتفات  الي زميلاتها اللاتي التففن حولها يتايملين مع الاغاني و يتبادلن الضحك و المزاح صانعين مع الرجال من زملائهن حلقة مغلقة حوطت العروس تماما و ذاب داخلها زوجها المستقبلي..
بعض اثوابهن تستر القليل و البعض الاخر لا يستر اي شيء..حاولت ان اتظاهر بأن الامر لا يعنيني أو بأنني غير عابيء او غير مهتم لكن الموضوع كان أقوي مني فعلا...
و مع تحول الموسيقي الي ايقاع راقص..قامت احداهن- مرتدية ثوبا احمرا قصيرا- لتصاحبه بحركات راقصة من جسدها الظاهر و قد التف حولها اصدقائها من الرجال مصفقين..
بين تغنج و ميوعة و دلال و اهتزاز و تقصع  بملابس كانت ستسدي لنا صنيعا لو خلعتها و اراحتنا من قليل التخمين,اعتقدت فعلا ان جهازي العصبي موشك علي الانفجار من فرط الضغط المتزايد الواقع عليه من حركاتها المثيرة..بينما خالي الي جواري لا يكف عن التصفيق و التهليل و قد بدا  انه يعيش أجمل لحظات حياته و قد نسي كل شيء عن  هموم العيال و أمهم..
اتطلع اليهن بأجسادهن العارية ووجوهن الملطخة بالاصباغ فأشعر انهن مسخ مشوه لكائن كان يسمي انثي ..يداعبن الغرائز في محاولات رخيصة لجذب الانتباه ,و يصرخن صرخة يائسة للحصول علي الاهتمام,يشعرن به في تطلع النظرات الجائعة الي اجسادهن البضة..و قد شعرن بذلك انهن جميلات و مرغوبات....
لن يعيين أبدا ان :جمال كل امرأة محفوظ في داخلها..بمنأي عن وعثاء الزمن و ركام الايام..لا تمحوه تجاعيد السنين..اما ما تبقي من غلاف صقيل..فأنه يذوي مع العمر مهما كان رائعا..يقتله الزمن و الاعتياد  و تشوهه الهموم..
اراهن فأتذكر وجهك الجميل الذي لم تمسه زينه..و عينك الصادقة تطل منها نظرة امومة معبرة..و ثوبك المحتشم الفضفاض الذي لم يظهر يوما الا يدك..فأدرك ان هؤلاء قبيحات..قبيحات الي اقصي درجة...
****************************************************
....و تبقين انت يا حبيبتي خالية من الادعاء.....
أحمد خالد توفيق...

***************************************************
العريس علي ما سمعت ينحدر من اسرة ثرية جدا بدأت من الصفر حتي تركت له ارثا ضخما..يدير مصنعا لعائلته و يصرف ببذخ دون حسابات من اجل ارضاء العروس الشابة..لكن كيف يبدو بحق السماء؟؟الن ينفصل عن جمع الرجال المحوط للعروس ليأخذ مكانه الطبيعي الي جوارها؟؟
سألت قريبي الشاب الجالس الي جواري:
-  ايهم  زوجها؟؟اهو الابيض الوسيم الي اليسار؟؟
-كلا
-اهو الطويل رياضي البنيان الي اليمين؟؟
- كلا ايضا...انه الاسمر الاصلع الممتلئ الواقف هناك...
نظرت بدهشة الي الشخص المشار اليه فوجدت غوريلا مكتنزة سمراء تم حشوها في حلة سهرة..جسده غير متناسق و سمته العام يعطي مظهر حرفيّ او سائق ميكروباص...
قلت له مندهشا:
- ما الذي تراه فيه؟؟ما الذي جعلها توافق عليه؟؟ألانه ثريّ؟؟؟
قال ببساطه:
- بل لأنها تحبه...الا تعرف الحب ؟؟
****************************************************
يا ما الحب نده علي قلبي..ما ردش قلبي جواب....
****************************************************
هل تضطرم فيك الاشواق ليلة اللقاء تعد الدقائق بأنتظار حدوثه؟؟و بقدر ما تتمناه بقدر ما تخشاه؟؟هل يتحول فيك الشوق الي رهبة و خوف مبهم؟؟تتسائل:ما الذي يخبئه لي الغد؟؟
****************************************************
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدٍ
                يالشوقي واحتراقي في إنتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا...

****************************************************
و عندما يتم اللقاء فعلا تكتشف انك عاجز عن قول اي شيء و كل ما حضرت من كلام قد تبخر و كل ما تسمعه هو صوت خفقان قلبك المتزايد؟؟
***************************************************
ياما كنت اتمنتى اقابلك بابتسامة.. أو بنظرة حب.. أو كلمة ملامة
بس انا نسيت الابتسام.. زى ما نسيت الكلام...

***************************************************
و مع انك عاجز عن قول اي شيء الا انك تتمني الا ينتهي هذا اللقاء ابدا و ان تستنقذ هذه اللحظة من الزمن و تحفظها من النسيان؟؟
****************************************************
يا حبيبي إيه أجمل م الليل واتنين زينا عاشقين تايهين..
ما احناش حاسين العمر ثواني والا سنين..
حاسين اننا بنحب وبس..

***************************************************
تشتاقها و انت معها؟؟لا تصبر علي فراقها لحظة؟؟
**************************************************
ما اقدرتش اصبر يوم على بعده..ما اقدرش على بعد حبيبي.. *************************************************
و انت معها تشعر بانك سعيد دونما سبب؟؟تشعر ان الدنيا كلها لك؟؟ تشعر أن الحياة لا يمكن ان تصير أجمل؟؟
***************************************************
قربك نعيم الروح و العين..و نظرتك سحر..
**************************************************
و عندما لا تكون معها تفكر بها و تتسائل:فيم تفكر هي؟؟هل لي نصيب ان اشغل جزء و لو ضئيل من هذا الرأس الجميل؟؟
**************************************************
يا تري..يا واحشني بتفكر في مين؟؟
**************************************************
تقول:هلي تحبني حقا بقدر حبي الجارف لها؟؟هل تبادلني ذات الشعور؟؟أم انا مجرد واهم كبير...
***************************************************
إنت روحي و كل عمري..
و نور حياتي يا حياتي..
إيه أنا بالنسبة لك ؟؟

***************************************************
هل انت كل ذلك؟؟
اذا انت تحب يا صاحبي..تحب...
***************************************************
والهوى.. آه منه الهوى..
***************************************************

تأوهات أم كلثوم مازالت حرارتها ملتهبة محافظة علي حرارتها و لوعتها لأكثر من نصف قرن لتنتقل  كاملة الي روحي ووجداني..و أختلط صوتها العذب في ذهني مع تساؤلاته تقريرية الطابع فذاب كلاهما في الاخر..و جملته الاخيرة ترن في ذهني كأجراس الكنائس...
انت تحب...تحب..
لم أجبه و اكتفيت بالصمت البليغ...لكن الاجابة كانت واضحة جلية علي وجهي ووصلته كاملة مما جعله لا يكرر كلامه و اشاح  وجهه ناحية أخري..و كف عن الكلام أخيرا...
بدأت الموسيقي في الخفوت التدريجي و قل عدد المتحمسين من الراقصين..و بدأ المدعون في التوافد علي الموائد الطولية في الخلفية التي تعتليها صنوف الطعام المختلفة فعلمت انها اللحظة التي انتظرتها طيلة اليوم...
و الان..لتكف كوكب الشرق عن امتاعي بصوتها الصداح و ليكف قريبي الثرثار عن الكلام..لتصمت مشاعرنا و تتكلم غرائزنا الحيوانية و يذوب قناع التحضر عنا..نزعت حلة السهرة الثمينة حتي لا يقتلني خالي..و فككت رباط عنقي طلبا للهواء..و ارخيت حزام بنطالي استعدادا للحظة الحسم..وقمت من مجلسي و اسرعت في السير حتي أتمكن من اللحاق بموقع متميز في صف المدعوين الطويل الذي احاط بال"بوفيه".....
                      *********************
                               (يتبع )