الجمعة، 20 مايو 2011

الفرح......( 3 )..

 
109176-wedding-altar-and-aisle-decorations-4
 
للطعام لذه لا توصف.. تشعر به يملأ فراغات غير محسوسة في روحك لم تكن تعرف انها موجودة اصلا بكم لا يوصف من السعادة و الانتشاء..لذته ككل شيء تتضاعف متي صار مجانيا..لذه ان تسرق ثمار مجهود غيرك بغير كد منك..تلك اللذه التي يشعر بها كل السارقين من الاثرياء رغم عدم احتياجهم او عوزهم  لشيء..
لذا فرغم اعتيادي علي تناول كميات ضئيلة من الطعام لفترات طويلة الا انني أكن معزة خاصة لطعام الحفلات و الاعراس لكون هناك أحمق غيري سيدفع بينما كل المطلوب مني ان أكل فقط من غير حساب..
من موقعي المتقدم في الصف الطويل بدأت أدرس الهدف من بعيد و أحدد نقاط ضعف في الناس من أمامي تمكنني من كسر الدور و الوصول اسرع الي مبتغاي..هذا العجوز المسن..حركته بطيئة..يمكن تجاوزه بدون مجهود يذكر..ما حاجته الي الطعام اصلا و قد توقفت انظمته الحيوية تقريبا..هذه الحسناء المتظاهرة بالرقة..ستتناول لقيمات قليلة حتي تظهر للعالم كله كم هي أميرة رقيقة ذات أصل نبيل..لا حاجة بك الي الطعام يا جميلة حتي لا تمتلئ أردافك المتناسقة..
هكذا بالحيلة و الخدعة التي قلما الجأ اليها شققت طريقي الي طاولة الطعام..علي عكس كل المدعوين الذين حمل كل منهم طبقا واحدا كبيرا يتناول فيه طعامه لم أجد سوي اطباق الحلوي الصغيرة فتناولت ثلاثا منها,و لم انتظر النادل ليعطيني مما امامه من صنوف بل امتد ذراعي التي شمر عنها القميص الثمين لتغرف ما شاءت من الصنوف قبل ان تمتد اليها يد الغوغاء من المدعوين...
عدت الي مائدتي محملا بكنزي الثمين محاذرا ان يقع اي من الاطباق الثلاثة المتخمة عن اخرها بالصنوف الشهية..انهمك الجمع من حولي في أحاديث فارغة و نسوا كل شيء عن وجودي لحسن حظي..هذا مناسب لي جدا..
غبت عن العالم و الوجود لمدة عشر دقائق شعرت ان لي فيها جناحان عملاقان يرفعاني الي ما فوق السماوات لأحلق الي عالم بعييييد بعيد....اكلت و اكلت ربما فوق ما تتحمل طاقتي..لكني كنت سعيد و اشعر بالنشوي و الرضا التام عن الكون و الخلق..يمكنني ان أموت الان..لقد اكتفيت من الدنيا و لمست كل ما فيها من سعادة....
شاعرا بالتخمة السعيدة و قد تكون لي كرش صغير تدلي من فوق حزامي جلست بينهم اتابعم بعين لا تري شاعرا بالرضا..يمكنني الان ان اعود و اتفاعل مع الكون بعد ان كاد الجوع ان يلتهم احشائي..وضعت السماعات الصغيرة في اذني و قد ضبط ارسال روحي مجددا علي موجة كوكب الشرق..صار صوتها مسموعا من جديد..حمدا لله...
****************************************************
يا حبيب امبارح و حبيب دلوقتي..يا حبيبي لبكره و لآخر و قتي..
****************************************************
هل هذا الحب ممكن حقا؟؟هذا الحب الذي تجاوز حد الزمان..تجاوز معني الحب ذاته ليصير رمزا فوق الحياة ذاتها..هل (أحمد شفيق ) يبالغ؟؟ام انه كان يعيش حالة مماثلة لتلك التي أعيشها الان؟؟هل لو أعطيت القلم لأصف مشاعري تجاهك سأكتب كلاما مماثلا..هل انت كذلك فعلا ام انها تلك النسخة الاخري منك التي تعيش في خيالي و تصورها افكاري؟؟لا اعرف انا,فهل تعرفين؟؟

تختلط الافراح عادة في ذهني بالجنائز..هؤلاء الناس المجتمعون في مكان واحد لا يجمعهم سوي وحدة المشاعر..منها المصطنع و منها المبالي و منها الصادق و منها من حضر كمجاملة أو مظهر أجتماعي لا اكثر..يمكن أن تخرج من كليهما بعظات لا تنتهي عن الحياة الدنيا و الاخرة سواء..يجعلانك تفكر في يومك انت..اليوم الذي ستدخل فيه و الاخر الذي ستخرج فيه من الدنيا..كيف سيكون؟من سيحضر؟؟كيف ستسير بنا الايام..تساؤلات عديدة تجبرك عليها هذه المناسبات...
استنقذتني أمي من أفكاري و هي تجرجني من كمي و تهمهم بكلمات غير مسموعة..و انا اتبعها في غير تمهل محاذرا ان اتعثر..يبدو انها تريد ان تعرفني بشخص ما..ارجو ان يكون من الاهمية الكافية لتسمح لي بالتبرير الكاذب لخالي عن اتساخ بنطال بذلته بالعشب....
انتهي بنا المطاف امام امرأة في منتصف العمر عرفتها امي بمدام (.........) عمة العروس..هل من المفروض ان اتظاهر بمعرفتها؟؟لم أكن لأتعرف العروس نفسها لو لم تكن ترتدي الابيض,فكيف اتعرف عمتها و ما الداعي اصلا؟؟؟
لكني فوجئت بها تعرفني الي ابنتيها الصغيريتين تدرسان في كليتي الالسن و الصيدلة,ففهمت كل شيء علي الفور..هي أم مخلصة حضرت بناتها جيدا لهذه المناسبة..و بالنسبة لكل الامهات كل عرس يجب ان يفضي لآخر...
سمعت عن الطبيب الشاب وحيد ابويه,ضف لذلك سحر تلك البذلة الكلاسية الذي لا ينفذ..فأعتقدت انها قد وجد العريس المستقبلي لواحد من بناتها..من يستطيع  ان يأمن مستقبلا مريحا لأبنتها خير من طبيب؟؟رباه كم المناظر خداعة !! آه لو يعلمون...
برغم ان الموضوع لم يكن يعنيني,الا انني لم استطع ان امنع احساسي بالفخر كأني هارون الرشيد..و لكن عذرا ايتها الجميلات..عذرا لأني سأحطم قلوبكن الوادعة..و لكن قلبي عليه نظام حماية صارم مشفر لا يملك مفتاحه الا واحدة....
****************************************************
حبيبي ده انا مخلوق علشانك يا دوب علشانك..علشانك انت..
****************************************************
نعم اراهن..و أشعر بهن..لكن و مع ذلك لا أري سواكِ..اشعر ان الله قد خلقك خصيصا لأجلي أنا..نعم يوجد من يقول الناس أنهن أجمل منك..أنهن أذكي منك..لكني لا اري الاكي..و لا اريد غيرك..
عدت الي مائدتي بعد ان استئذنتهم و أمي تشيعني بنظرة صارمة و تهمس في اذني:
"فقري.."...
أتمني لو يتركوني لأفكاري و لو لحظة..يأبوا أن يتركوني أن أهنأ بك..أن أجلس معك وحيدا بمنأي عن الضوضاء و الزحام..فراقك ليس سهلا..حتي عندا اغمض عيوني أشاهدك و قد رسمتي علي جفوني بالوان غير مرئية..انت معي الي الابد حتي لو لم ترغبي بذلك..
****************************************************
وانت معايا يصعب عليا رمشة عنيا ولا حتى ثانيه..
يصعب عليا ليغيب جمالك ويغيب دلالك و لو شويه..
اد كده مشتاق اليك...

****************************************************
كيف أحصل عليك؟؟كيف أنالك؟؟و انا أشعر أنك نجمة ساطعة عالية في السماء عسيرة المنال؟؟
انت ملكة جميلة علي قمة عرش مذهب بينما انا مازلت أشق طريقي الصعب في أزقة مملكتك الرحبة...
عندما اسمع عن كلمات مثل الاستقرار و الزواج و الاسرة اشعر انني مجرد طفل صغير عديم المسؤلية بينما انت أنثي جميلة كاملة النضج..أنثي ناضجة بحاجة الي رجل و أنا بعدي طفل يتوق للهو مع أقرانه..
اتمني لو كان هناك سبيل اخر للحصول عليك عدا الزواج..و لكن للاسف لا يوجد..احترمك حتي في فكري فلن يخطر ببالي اي شيء آخر..سوف ينتهي هذا الحب..سوف ينتهي لأني لست رجل كفاية لأمتلكه أو أحافظ عليه.....
**************************************************** 

لماذا أطلب منك الانتظار من أجل حلم قد لا يكون أبدًا ؟.. صديقاتك يظفرن بالزيجات الثرية .. صديقاتك ينلن كل شيء .. فرسان الأحلام يحلقون في السماء من حولكن .. أنتن كبيرات ناضجات أما نحن فبعد أطفال نتلقى المصروف من آبائنا، ونتشاجر على لفافة تبغ وجدناها في درج أحدنا .. طيري مع صديقاتك .. طيري .. اتركيني هنا في الوحل .. ولا تعودي أبدًا..
أحمد خالد توفيق...

****************************************************
لاحظ قريبي الشاب الضيق الذي بدأ يعتري وجهي في جلوسي فأقترب مني محاولا معرفة كنه ما أعتراني..لا ادري لكن سبب ما جعلني اثق به..ربما لأنه لا يعرفني او يعرف شيء عن حياتي..او ربما لأني ربما لن اراه مجددا..او ربما لأن اسراري له بدون قيمة..فصارحته بالموضوع كله بأختصار..
قال لي و هو لا يحول نظره الثاقب عن عيني:
- هل تعلم؟..عمري الان 28 عاما..عندما كنت في مثل سنك كنت مثلك أحب فتاة زاملتني دراسيا..ظللت أحبها صامتها طيلة فترة دراستي..كنت مثلك اظن ان موافقتها أمر مفروغ منه..أمر ثانوي..و المشكلة كلها تكمن في امكاناتي و جاهزيتي..انتظرت و انتظرت و الصمت كان رفيقي في وحدتي..حتي تمالكت نفسي و استجمعت افكاري و صارحتها أخيرا..
هل تعرف ماذا قالت؟؟؟لقد رفضت..لقد صارحتني انها لا تتخيلني أكثر من زميل..و بعد عدة سنوات سمعت انها تزوجت و كونت اسرة,بينما أنا مازال حيث تركتني أحيا في عالم النسيان....
لقد كان أمامها خيارين..أما ان تقبل فتجعلني اسعد رجل في العالم..أو ترفض فتجعل نفسها أسعد فتاة في العالم..أختارت ان تسعد نفسها.. و لكن لدهشتي فرحت لسعادتها و نسيت أحزاني...
هل تعرف لماذا؟؟
لأني أحبها.....

التأثر يظهر جليا علي وجهه..ربما عينيه تلتمع كذلك..او تراه انعكاس الاضواء؟؟؟....أكمل قائلا:
- هل تعرف اسوأ ما تفعل في نفسك؟؟؟
انه التردد..انه الشك..و الصمت..و التفكير...
لا تفكر من فرط حبك لها ان كلامك سيؤذيها...فكر فيما تفعله في نفسك..فكر انك تؤذي ذاتك..كن أنانيا و لو لدقيقة..لا تعذب نفسك و حادثها..لو رفضت ستريحك..و لو قبلت..فهي قد وافقت علي ظروفك الصعبة و قررت ان تكابد الحياة معك..و هي حرة في أختيارتها و رغبتها في المعاناة او الراحة....
اسمعني..فكر في الحياة كأنها فيلم..اما ان تجلس علي مقعد المتفرج و تكتفي بمشاهدة ما صنع سواك بحياته..او تكون خلاقا لتصنع فيلمك الخاص..بقواعدك الخاصة و ادواتك و ابداعك...لا تحيا الحياة كما يملي عليك الناس..لا تلعب اللعبة بقواعدهم هم بل بقواعدك انت...تذكر اولا و آخرا انها حياتك انت..سينصحونك..سيثبطونك..سيضعون العراقيل في طريقك..سيساعدوك..لكنها في النهاية حياتك انت وحدك....هل تفهمني؟؟؟
هززت رأسي...فتابع:
- لا تكرر غلطتي..صارحها وصدقني في كل الاحوال و مهما كانت خسارتك فستكسب ذاتك و عقلك المشغول دائما عن حياتك و مستقبلك....
صمت و اطرقت رأسي و نظرت الي الارض...فقال و هو يربت علي كتفي مبتسما:
- هيا بنا نهنيء العروس..هيا ابتسم و اعطها هذه الوردة....
و وضع في كفي المفرودة و رده حمراء يانعة و تأبط ذراعي في رفق و اصطحبني الي العروسين...لمحت في طريقي خالي و هو يحمل ابن خالي الاخر الي مائدة اصدقاء العروس بحجة ان الطفل الصغير يرغب في ان تجمعه بهم صورة للذكري..ابتسمت برغمي..علي ان اتعلم أكثر من هذا الذئب المتصابي..
وصلنا للعروسين فصافحت العريس فقبض علي كفي بيده الاسمر العملاق..لم يكن يعرفني و لم يعنيه ان يسمع تعريفي المطول من قريبي الشاب..اعرف ما يدور في ذهنه الان..بالنسبة له انا مجرد طفيلي اتي ليأكل و يجب ان أرحل الان..و اتركه لينصرف ذهنه الي ليلته المفترجة...
اما العروس فقد نظرت الي مستغربة حتي تم التعريف,فأشرق وجهها عن ابتسامة رائعة..اسنانها بيضائ نضيدة..لقد بيضتها حديثا ككل شيم العرائس..لم اتكلم..واعطيتها الوردة في كفها الرقيق..ابتسمت في تأثر..امسكتها و قبلتها بفيها المنمنم و بأناملها الدقيقة وضعتها في جيب سترتي قرب موضع القلب..
و همست في اذني بكلمات لن انساها ما حييت:
-"اتمني ان تجد الحب مثلما وجدته أنا "...
لمست عبارتها الرقيقة روحي فشعرت بالسعادة الجمة..وقفت جوارها و زوجها لتجمعنا صورة تذكارية لتخلد هذه اللحظة الي الابد...
مع الوقت بدأ عدد الحضور في النقصان و بدأت الاضواء في التلاشي و الموسيقي الصاخبة في الخفوت..
لقد انتهي الفرح..بينما انا جالس علي مقعدي غير شاعر بانصراف الجمع..افكر في كل الكلام الذي سمعته الليلة..جئت لأكل..و خرجت من هنا انسان اخر...جلست طوال الليل في تململ ارغب في انقضاء السهرة,فلما انقضت لم اشعر بأنتهائها و تمنيت في سري لو تدوم للأبد...
نعم سأحادثها..سأكف ان اكون عاشق الظل..اتخذت هذا القرار مرارا من قبل..لكن هذه المرة انا متأكد منه تماما و لن يثنيني عنه شيء....
فقط قبل انصرافي قبلني و صافحني قريبي الشاب..شعرت فعلا اني قد اكتسبت صديقا جديدا مخلصا..وودعني قائلا:
- تذكر ان العمر لحظه..فأغتنمها جيدا..فعشها كما تشاء..فقط لا تشعر بالندم عند انقضائها..و عندما تصل لفراش الموت ساعتها سوف تنظر الي حياتك الحافلة قائلا:حقا لو اعدت الكرة لما غيرت شيئا من كل ذلك قط.....
قبلته و عانقته بحرارة..و مثلما عانقت جسده تعانقت روحانا في تلك الليلة و تواصلنا بشكل كبير لا يحدث في أعمار مديدة....
ركبت سيارتي مع أمي و تركت لها القيادة..بينما نزعت حذائي طلبا للراحة و تأملت السماء و قد تلونت بالوان الفجر الرائعة و انا اتذكر كلمته:"العمر لحظة.."...
و صوت الست يتردد اصدائه في سماء الفجر الرحب..
****************************************************
هو العمر إيه غير ليلة؟؟ زي الليلة..زي الليلة..
****************************************************
                            ( تمت )