الأحد، 27 فبراير 2011

عن الحشيش و الحشاشين و الاوراق السبع لنبات القنب (2)

دعني اتذكر اين قابلتهم لأول مرة؟؟علي ظهر ذلك القارب النيلي الخاص..يذكرك بأجواء عوّامة محفوظ..مجموعة غير متجانسة من الرجال و النساء مختلطة بلا محارم..فقط علي اختلاطهم لا تلاحظ فيهم الفحش ظاهرا..كأنهم التقوا بغية محددة هي التدخين الحرام فقط..او ان الحشيش يقصيهم عن دواني الواقع كالشهوات..برغم ما يذاع عنه زورا من قدرته الجبارة كمقوي جنسي..

يترنمون بأغاني قديمة..عفا عليها الزمن و كف عن ترديدها في الاذهان و قد تراكم عليها ارفف الواقع و الذكريات..يرددونها و قد عتها ذاكرتهم الواهنة جيدا..يرددونها لأنهم سمعوا المحششين يرددونها من قبل فيتناقلوها كالارث..يرددونها لأنهم يعتقدون انها علي عتاقتها مادة خام للسخرية و الضحك علي تفاهة الواقع و هو ما جمعهم في الاساس...
احدهم قد مسك عودا مكسورا و شرع يدندن و يترنم بصوت مشروخ:يا صهبجية..و نحن نرد عليه ان:ايه يا لا للي...
يمل حينا فيردد رائعة سيد مكاوي (البلبل غني علي ورق الفلة) كما سمع محمود عبد العزيز/الشيخ حسني يرددها في فيلم الكيت كات..ينتقل من ترنيمة لأخري و نحن نتابعه علي مستوي اللاوعي دون حيلة من عقولنا التي غابت وسط السحب...
احدهم امسك صاري السفينة و استحضر فيلم صلاح الدين و صرخ:باقي ثلاثة اميال علي عكا..حتي كاد ينقلب و يقضي ليلته يسابق اسماك البلطي و يفترش الطحالب..كل هذا كان مضحكا بشدة مع تأثير الجو..في حين في اوقات اخري كان ليصير سخيفا بشكل لا يصدق..حتي انا بعقلي في اشد حالات يقظته اجد نفسي معهم منخرطا في الضحك..الجو تسري فيه عدوي التهييس فتلهب تلافيف مخك و تجبرك ان تصير تافها حتي و ان لم تتناول نفسا...
بعض الجالسين اشخاص محورية..بعضهم مجاميع صامته و الاخر منها متكلم كما في كل شئون الحياة..و شخصيات مثلي تراقب و تحلل دون انخراط..بعضهم جدير بالمعرفة حقا و بعضهم يكتسب اهميته بكونه غير جدير بها..بعضهم يعلق بالذاكرة حقا و آخرون تنساهم بمجرد انجلاء السهرة و تبين اول خيوط الفجر....
اليك نبذة عنهم:
1-اطلقت ضحكة رقيعة شديدة المجون,و قد ارتسم اثر فيها الاحمر  المصبوغ علي مبسم سجائرها الاجنبية الطويلة كأنها تطبع عليه قبلة حانية..ثمن العلبة الواحدة يفوق ما اتلقاه في شهر كامل نظير اراحة الناس من الامهم..جميلة جدا..غنية جدا..فمالذي يدفعها الي ما تفعله؟؟انها تمارس نوعا رخيصا جدا من البغاء..تبيع نفسها يوميا بلا مقابل الي حثالة الرجال..قدرت طبعا انه خلف هذا المنظر اللاهي العابث..وراء كل هذه الاطنان من المساحيق..ركام لا ينتهي من العقد النفسية و المشاكل الاسرية المعقدة..قد اكتب يوما ما رواية رائعة عن ذلك..و قد لا افعل..المهم الان ان استنقذ هذه الخاطرة في مذكرتي الصغيرة قبل ان يكتنف الدخان الكثيف رأسي و يجعله خفيفا كالبالون و ينسيني ما الذي افعله مع مجموعة من الغرباء في هذه الغرفة الضيقة الخانقة...
2-قال لي و هو يفترش الارض الخضراء و ينظر الي صفحة النجوم المزينة للسماء اعلاه..ينفث الدخان مرسله الي النجوم في صورة حلقات متسعة متلاشيه:
-"اشعر ان المستقبل كائن غامض..اشعر ان التفاؤل شيئا ضارا يجب اقتلاعه من النفوس..نوع من الامل الكاذب يتركك في حال اسوأ بعد رحيله..كنت يوما ما شابا واعدا..لدي احلام  و طموحات..لكنها لم تعجب الكبار ابدا..كانو اما مسؤلين لا يعون وجودي..سرقوا و نهبوا و خربوا..لا يريدون ترك اي شيء لي حتي اقتات..يرغبون في عصر الليمونه للنهاية..لو طالوا لبلعوا قشرتها حتي لو خنقتهم..كلما اقترب الواحد منهم من القبر و الدينونة اكثر..استشعر لذة في مذاق الدنيا اكثر..و رغب في تناول الطبق الي آخره..
و اما كانوا اهلنا نحن..انانيون كسالي..عاشوا حياتهم طولا و عرضا..لم يفكروا يوما في القادمين بعدهم..كيف سيعشيون؟؟كيف سيستمرون من بعدهم وقد افنوا كل مواردهم و كل سبل مشروعه لهم في العيش؟؟
كانت لي احلام بسيطة هي ان اعيش..هي ان اترك و شأني..احلامي كانت ان اصير انسانا..و ان اعامل كواحد...
لكنهم ابوا..تضخمت حذيهم الغليظة لتسحق احلامي الرقيقة كالفراش..
تحملت حياتي بلا عمل..بلا احباب..بلا ونيسة..بلا راتب..بلا تبغ..بلا جنس..لكن ما الحياة دون الاحلام؟؟؟
اي عصر هذا صار فيه الحلم وليد خيالك انت سلعة مرخصه ثمنها فوق امكاناتك؟؟
صار لدي شعور دائم بالغربة..غربة في وطني..غربة بين اهلي..غربة في ذاتي..غريب انا حتي بين محيطاتي الاكثر الفة.. اشعر ان الحياة عبء كتب علينا ان نكابده..
ام تحسبني ادخن لأني احب رائحة التبغ الخانقة؟؟احرق التبغ حتي لا احرق ذاتي..انفث الدخان حتي لا انفث نيران الغضب علي من أحب..ابحث في انسطالي عن حلمي الضائع في عالم الاوهام..ادنو منه في كل مرة لكنه يخدعني و يختبأ..و يتركني اعود اسيرا لأرض الواقع حيث انا غريب بلا مأوي..."
انهي مونولوجه الطويل..و افلتت منه رغما عنه دموعا صامته من طرفي عينه,لتبلل لحيته القصيرة..و عض علي شفتيه و ادار وجهه مباعدا عني حتي لا اراه..


3-غادة الجميلة..غادة الرقيقة..اسمها جزء من جمالها..فلو كانت(شروق) او (اسراء) لما كان لها نفس التأثير الساحر..تقترب منك و تبعدك عنها في ذات اللحظة..تلعب الورقات الثلاث بمشاعرك طيلة الوقت..مرة انت حبيبها و مرة انت وغد يضايقها..لو اقتربت منها زيادة قد تحرقك في خضم الاعيبها النفسية..تأني من بيئة متوسطة اقرب الي المحافظة فلا تعرف من القي من هم مثلها في هذا الطريق الوعر..تحبها؟؟قف في الصف..كلنا نريد غادة و لا نعرف حقا من تريد حقا..ترغب فب ان تضايقها؟؟لم لا تكن ضيفي و تجرب..جرب ان استطعت لن تقدر صدقني...
جميلة و رقيقة..شعرها الاسود الفاحم..عيونها الليلية الكحيلة..بعيد عن الجمال الاشقر المصطنع..سلاحها في هذا العالم هو سر قوتها و سر ضعفها و سر جاذبيتها...هو انوثتها..هي واحدة من الفتيات ممن لم تشعر ان قوتها في التظاهر بالقوة و ابداء الرجولة بل النقيض..تستخدم انوثتها للحصول علي ما تريد دون تنازلات.. تسخر بها اعتي الرجال في خدمتها كالدواب...تجد نفسك امامها صاغرا منفذا بل وسعيد كذلك حاسبا ارادتك ملكك و الحقيقة انها قد ملكتك بالكامل..
تأتي في ليال متفرقة..فلا تظهر الا حينما نشتاقها و تصبو ارواحنا الي التشبع بها..تحصل علي ما تريد من الكيف دون مقابل سوي ابتسامة..حتي حينما تفقد عقلها لا تفقد تعقلها ووقارها الانثوي..اما ما الذي يدفع فتاة مثلها الي هذا الطريق,فأمر لا يعرفه احدنا و لا يسأله يوما..كلنا نعيش الوهم..نأمل ان تظل غادة بينا الي الابد..ان تظل هناك..علي اعلي الجبل..تغريك دائما بالتقدم..و ان لديها المزيد لتمنحك لكنها لا تعطيه اياك ابدا..


(يتبع)...